كتب عمر البردان في صحيفة “اللواء”:
في ظل الواقع الاقتصادي والمالي المأزوم الذي يعانيه لبنان، وبعد قراره تعليق تعليق السندات السيادية، تبدو الحكومة عاجزة عن إخراج البلد من المأزق الذي يتخبط به، ما لم تبادر إلى طلب مساعدة عاجلة من صندوق النقد الدولي الذي يبدي مسؤولوه استغرابهم لبطء الحكومة في إعداد خطة اقتصادية واضحة المعالم قادرة على إنقاذ البلد من أزمته، ومن شأنها أن تحظى بثقة المجتمع الدولي والمؤسسات المالية، من أجل تقديم الدعم للبنان في هذه الظروف الحرجة التي يواجهها. وبانتظار أن تنتهي الحكومة من إعداد الخطة التي تحدث عنها وزير المال غازي وزني، فإن موقف «حزب الله» من مسألة الاستعانة بصندوق النقد الدولي، لا يزال يرخي بثقله على المشهد الداخلي، بحيث أن الحزب ما برح ينظر بحذر إلى أي دور لـ«الصندوق» في إنقاذ لبنان من أزمته، لأنه يخشى من التداعيات التي قد يكون ضحيتها، باعتبار أن هناك مخاوف لدى قيادة الحزب من شروط سياسية سيتم فرضها على لبنان، إذا ما طلب مساعدة دولية من الدول المانحة على تجاوز مأزقه.
وفيما كشفت أوساط وزارية لـ«اللواء»، أن «الخطة الإصلاحية قيد الإعداد، وسيعمل على تضمينها مقترحات فاعلة تساعد على إخراج البلد من أزمته الخانقة، وقادرة على الاستجابة لرؤية المجتمع الدولي بالنسبة لفرص إنقاذ الاقتصاد اللبناني»، ترى مصادر سياسية معارضة، كما تقول لـ«اللواء»، أن «الحكومة تأخرت كثيراً في إعداد هذه الخطة، بالرغم من الاجتماعات المتتالية التي عقدتها الحكومة. فهناك ضرورة حتمية، لأن تبصر هذه الخطة النور، الأمس قبل اليوم، وهي ضرورية أكثر من أي وقت مضى، لأن لبنان لا يمكن أن يحصل على أي مساعدات خارجية دون خطة واضحة المعالم ترسم خريطة طريق للإصلاح، بشكل عملي وضمن مهل زمنية ووفق الملفات المطلوبة»، مؤكدة على أنه «لا مناص من التعامل مع المجتمع الدولي، وتحديداً مع صندوق النقد، بعدما تضع الحكومة خطتها وتحدد بوضوح خطوطها الإصلاحية العريضة».
وتشير، إلى أن «من يواجه الصندوق اليوم، ويرفض التعامل معه، هو من يتذرع بموضوع الفقراء، لكنه عملياً لا يريد الذهاب إلى أبعد من ذلك، لأنه يخشى التدقيق في الحسابات، في الوزارات وفي الإدارات، كما أنه لا يريد مقاربة إصلاحية حقيقية للقطاعات المشكو منها. بمعنى آخر أن المعارضين للاستعانة بصندوق النقد، هم الذين لا يريدون إقفال الحدود غير الشرعية، ولا يريدون ضبط التهريب عبر المرافئ والمرافق القائمة، كما لا يريدون ضبط الهدر والفساد في المرفأ والمطار والجمارك . كذلك لا يريد هؤلاء إشراك القطاع الخاص مع القطاع العام، من أجل ضبط الإدارة وترشيدها. وبالتالي فإن هناك أعذاراً تقدم من أجل إبقاء الوضع المترهل على ما هو عليه، دون أن يدرك هؤلاء أن استمرار هذا الواقع سيؤدي إلى الانهيار الشامل. ما يوجب على الحكومة الذهاب لمفاوضة المجتمع الدولي، من أجل كيفية التعاون من أجل أن يتمكن لبنان من تجاوز أزمته، وبما يمكنه من إدخال العملات الصعبة إلى البلد، وأن ينتقل سريعاً نحو الاصلاحات المطلوبة، سعياً لانتزاع ثقة خارجية تفضي إلى مد يد العون له مالياً واقتصادياً».
ورداً على موقف «حزب الله»، تشدد المصادر المعارضة، على أن «موضوع صندوق النقد ليس ترفاً، وليس مؤامرة، بقدر ما أن الذي استدعى الصندوق هو فشل الأكثرية الحاكمة التي لم تأخذ بعين الاعتبار كل التحذيرات التي أطلقتها قوى سياسية في مقدمها «القوات اللبنانية»، بأن استمرار هذه السياسة المالية والاقتصادية الفاشلة ستؤدي حكماً إلى استدعاء صندوق النقد إلى لبنان. فلو استدركت هذه الأكثرية منذ سنوات، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه. ولذلك فإن صندوق النقد ليس مؤامرة، ولا يمكن إلا التعاطي مع المجتمع الدولي. فهذه إيران التي فتحت يديها للمجتمع الدولي عندما وجدت نفسها عاجزة عن مواجهة كورونا»، مؤكدة أنه «لا يمكن لبنان أن ينهض من كبوته إلا من خلال التعاون الدولي، وهذا الامر لا يتم، إلا من خلال شروط يجب أن تتوافر في الخطة المطلوبة، ليتمكن لبنان من انتزاع المساعدة الدولية».
ولا ترى المصادر، أن «بإمكان حزب الله أن يقف في وجه محاولات إخراج البلد من المأزق الذي يمر به، بعدما أوشك على الانهيار الذي يبدو حتمياً إذا لم يحصل لبنان على مساعدات عاجلة، وفق الخطة التي سيضعها، واستناداً إلى شروط حكومته، بما يجعل خطوط التعاون مفتوحة على مصراعيها مع صندوق النقد، من أجل تحقيق الأنسب للبنان وشعبه، على غرار ما قامت به دول عديدة، مرت بالظروف التي مر بها لبنان، ما مكنها من تجاوز مشكلاتها، بعد اقتناع المجتمع الدولي بالخطط الإصلاحية التي وضعتها، وإن تطلب ذلك اللجوء إلى إجراءات موجعة لا تطال الفقراء، بقدر ما تستهدف استئصال الفساد ومحاسبة الفاسدين في المؤسسات والإدارات، حتى يستطيع البلد الوقوف على قدميه».