كتبت غادة حلاوي في صحيفة نداء الوطن:
إذا سارت الأمور بوتيرة العمل ذاتها، يفترض ان تنتهي الحكومة من إعداد خطتها الإقتصادية في غضون أسابيع قليلة. مجموعات عمل وأربع لجان وزارية تتوزع الملفات في ما بينها، ولأول مرة تكون النقاشات ناضجة من دون مناكفات سياسية بل انطلاقاً من طرح حلول للمشاكل المتراكمة. وفي تسابق مع الوقت تحاول الحكومة ان تخرج الى الرأي العام بحلول جذرية وليس موقتة، استناداً الى واقع الدولة الذي هو في أمس الحاجة الى زيادة وارداته وخفض نفقاته. وهذان عنوانان تتمحور حولهما الخطة الاقتصادية التي اختارت رئاسة الوزراء العمل على إنجازها تحت عنوان عريض: “إطفاء الحرائق المالية والتعامل مع الاستحقاقات”.
كان القرار الأكثر صواباً الإمتناع عن دفع سندات اليوروبوندز، ما يعزز وضعية الدولة في التفاوض مع الدائنين. وايا كانت انعكاسات التخلف فهي بالتأكيد أفضل من الدفع، خصوصاً وأن لبنان لو التزم بالدفع لعجز عن سداد بدل استيراد مواد غذائية بعد أشهر من اليوم. وعلى عكس ما يشاع يؤكد خبراء الاقتصاد من المساهمين بدراسة الخطة الإقتصادية ان تصنيف لبنان لم يتأثر بعدم الدفع لكونه سيكون منخفضاً في كل الاحوال حتى ولو التزم لبنان الدفع.
نقطة الخلل الرئيسية وفق هؤلاء هي في الهندسات المالية التي أخرت المشكلة وكانت بمثابة الهروب الى الامام. وليس ما تقدم الا تفصيل دقيق من تفاصيل أسباب التدهور المالي والنقدي الحاصل والذي تدخل الحكومة في تحدي معالجته مع المجتمع الدولي وصندوق النقد.
تتألف الخطة الإقتصادية التي ستكون محور نقاش مجلس الوزراء في جلسته اليوم من نقاط عدة أو محاور أساسية هي: محور المالية العامة وربط العجز بالمالية العامة، الدين العام، ميزان المدفوعات، الوضع المصرفي والنقدي، النمو الإقتصادي والفقر. على ان تكون هذه المحاور جاهزة تماماً لتندرج ضمن برنامج سينطلق العمل عليه بدعم من البنك الدولي وبرعايته وفق ما تؤكد مصادر وزارية بارزة تشير الى أن البرنامج الجاري العمل عليه سيتضمن سلة اجراءات لم ينته العمل عليها بعد، سيكون من بينها وأهمها خفض النفقات العامة وخفض خدمة الدين العام.
سيكون لملف الكهرباء حيز مهم من الخطة، خصوصاً مع توافر عنصرين يمكن أن يساعدا في حل المشكلة تمثّلا في خفض سعر برميل النفط عالمياً الى ثلاثين دولاراً، وحلول الغاز بدلاً من الفيول. ستوصي الخطة بتعجيل زيادة التعرفة على الكهرباء. وعلى مستوى المعالجة النهائية ثمة اقتراحات تُناقش من بينها إقامة معامل صغيرة يمكن تلزيمها بعد إجراء مناقصة الى شركتي “سيمنس” و”جنرال إلكتريك” لتأمين الطاقة الهوائية والشمسية. يشدد المصدر الوزاري على ان الخطة الإقتصادية المشار اليها لا تتضمن اقتطاعاً من الرواتب والأجور، ولا تلحظ زيادات بالمقابل، بل تطالب بوقف التوظيف وإصلاح النظام التقاعدي (يمكن ان يكون ذلك استناداً الى التدبير رقم 3 ) ونظام التقاعد ورواتب نهاية الخدمة.
تعتبر الخطة ان أهم سبيل لزيادة الواردات يكمن في مكافحة الفساد ووقف الهدر والتهرب الضريبي التي توفر مليارين ونصف المليار دولار على الخزينة، مع احتمال رفع الضريبة على القيمة المضافة على السلع الفاخرة الى 15 بالمئة. وتتحدث عن رفع الضريبة التصاعدية على الأرباح والمداخيل المرتقبة منها الى نحو 35 بالمئة بدل 21 بالمئة.
ومن البنود المهمة المزمع مناقشتها وستتضمنها الخطة إتخاذ إجراءات معينة وشديدة بخصوص الاملاك العمومية والبحرية، والغاء الصناديق ودمج المؤسسات العامة خصوصاً مع وجود ما يقارب 89 مؤسسة بينها مؤسسات لا تعمل ويلزمها ضبط.
الكابيتال كونترول والهيركات
ويعتبر معدّو الخطة ان موضوع الكابيتال كونترول قد يشكل مدخلاً لإصلاح النظام المصرفي حيث توجد احتمالات متعددة تدور في فلك التعافي المالي، ويدخل ضمن هذه الاقتراحات دمج المصارف وإعادة هيكلة الدين اللذان سينعكسان حكماً على القطاع المصرفي.
أما في ما يتعلق بالهيركات فأمره سيُبحث مع المصارف. القرار لا يزال قيد النقاش وهناك أكثر من خيار مطروح في هذا المجال. ربما يكون الهيركات عبارة عن تخفيض للودائع أو اصدار أوراق مالية يمكن تداولها بالسوق أو أسهم من المصارف أو أسهم من أرباح صندوق سيادي ضمن موجودات الدولة التجارية أو ضريبة على الثروة تحت مسمى قانون تصاعدي. فهناك من يقترح الهيركات بدءاً من مليون دولار وما فوق وآخرون يقترحون ان يلحق مبالغ أدنى أي 500 الف وما فوق. لكن لم يتم البت بالأمر بعد. على أن كل الإقتراحات لن تلحق الضرر بالمودعين الصغار فيما ستستخدم حصيلة المبالغ لسداد الدين العام. اما مشروع قانون الكابيتال كونترول فهو الآخر لا يزال محل نقاش والحكومة لم تأخذ قراراً نهائياً بشأنه بعد ولو أن خبراء في مجال الإقتصاد يؤكدون أن “لا مناص من مشروع الكابيتال كونترول كإجراء لتنظيم السحوبات من المصارف وفق معايير عادلة بين المودعين، خصوصاً ان المصارف وفي غضون فترة قد لا تتجاوز العامين لن تكون قادرة على تلبية سحوبات المودعين في الداخل والخارج، وطالما أنها تمارس اليوم سياسة الكابيتال كونترول غير المنظم ولا المقونن حيث يسود منطق التمييز بين المودعين، وهو ما تعاقب عليه دول كثيرة كالولايات المتحدة رغم نظامها الديموقراطي الحر فلا بد من قوننته”.
والخميس، من المفترض أن يبت مجلس الوزراء بالإجراءات المنوي اتخاذها حيال تنظيم العلاقة بين المصارف والمودعين لا سيما المتصلة بعمليات السحوبات بالعملة الأجنبية لا سيما منها الرواتب بالدولار، غير أنّ مسودة المشروع التي سربت دونها ملاحظات تتعلق تحديداً بدور جمعية المصارف الذي يتم تضخيمه في مواضع معينة، خصوصاً لجهة التشاور معها من قبل مصرف لبنان، والحد من صلاحيات مصرف لبنان. يؤكد المصدر الوزاري ان الخطة تأخذ بالإعتبار التوصيات الدولية وحين تصبح جاهزة سيتم عرضها على وفد صندوق النقد الدولي الذي سيزور لبنان بعد انتهاء الحكومة من وضع خطتها.