كتب خالد العزي في صحيفة “نداء الوطن”:
لا شك ان الحالة الصحية والمعنوية الذي يعيشها اللبناني باتت تنذر بكارثة فعلية، لجهة انتشار وباء فيروس “كورونا”، والسبب يعود إلى عدم اخذ الاجراءات المناسبة من قبل الدولة، وعدم الاخذ بالاعتبار الاخطار الناتجة عن هذا الوباء الذي بات يهدد ارواح الناس في لبنان والعالم، لكن التصريحات والاجراءات اللبنانية اثبتت فشلها، حيث كان مفروضاً على وزارة الصحة اتخاذ التدابير اللازمة والتعامل مع هذا الخطر والحد من انتشاره من دون الدخول في تفاصيل لا تهم المواطن اللبناني وأيضاً عدم تسييس الحالة.
اعلنت الوزارة ان لبنان خرج من مرحلة الاحتواء الى مرحلة الانتشار، وكأنها تتخلى عن مسؤوليتها، فالوباء جدي ولئيم يدخل في صلب الامن الصحي للمواطن والوطن، في الوقت الذي صرحت فيه المستشارة الالمانية أنغيلا ميركل ان هذا الوباء سيضرب من 40 الى 60 بالمئة من المواطنين في العالم بما يعني ان لبنان سيقدر فيه عدد الموتى بنحو 90 الف شخص، اذا لم يتدارك المسؤولون اللبنانيون حقيقة خطر الوباء وكيفية التعامل معه، خاصة ان لبنان يعيش مرحلة انهيار اقتصادي اجتماعي بسبب الفساد الذي مورس من الطبقة السياسية طوال حكمها الفاشل وادارتها للدولة التي باتت قاب قوسين من الفشل.
فيروس “كورونا” هو فصيلة كبيرة من الفيروسات، تتأقلم مع بعضها البعض حيث يمتد طيفها للبشر، وتسبب بموت البشر بسبب غياب العلاج الفعلي له.
لذلك يعيش لبنان حالة من الذعر والخوف المسيطرين على الناس، بالوقت الذي لا تزال الدولة تفكر في الموضوع من دون رفع مرحلة الخطر للأحمر، وانما التعامل مع الموضوع بخلفية سياسية واضحة وليس بخلفية مسؤولة تخص صحة المواطن وامنه الصحي.
وفي ظل الحديث الذي انتشر بان الوباء في لبنان خرج عن السيطرة واصبحنا في مرحلة الانتشار مما يعني ان الوباء بات يشكل الخطر الفعلي على الحياة، يعيش المواطن اللبناني الخوف والهلع نتيجة الاحاديث غير المسؤولة أو “شائعات” من هنا او هناك.
فاذا كانت “كورونا” سيدة الشاشة فالدولة لم تخرج بعد من مشكلة “اليوروبوند”، اي العملة الخارجية وسندات الخزينة اللبنانية بالعملات الاجنبية التي كان مقرراً دفع مستحقاتها في 9 آذار الماضي. حيث يعتبر “اليوروبوند”، اداة دين لجأت اليه الحكومة لتمويل مشاريعها وتوفير عائدات جيدة للمستثمرين مقابل مخاطرة كبيرة. الحكومة اللبنانية عجزت عن ايجاد مخرج محق لعدم الدفع المستحق كحل موقت للازمة المالية المتجددة بطريقة تحفظ للدولة ماء الوجه من خلال التفاوض مع المجتمع الدولي لان مشكلة عدم الدفع لم تكن مرتبطة بخطة قانونية مدروسة من قبل المسؤولين لمعالجة قصة الدين، فهي قضية اقتصادية تهدد الدولة وامنها الاقتصادي. كان لا بد من التحضير المسبق بين الحكومة والدائنين والمصارف والبنك المركزي واصحاب السندات لخطة تعيد جدولة الديون.
ان غياب الخطط الاقتصادية الواضحة التي من شأنها منع استخدام الأسواق السوداء والمضاربة في محلات الصيرفة، ستؤدي إلى ضرب القطاع الاقتصادي اللبناني الذي يتطلب بعد هذه الازمة سنوات عدة من اجل استعادة عافيته. لكن كما يبدو ان اعلان لبنان دولة مفلسة يناسب العديد من الاشخاص بينما تتضرر الاغلبية. فالقصة لم تنته حيث ارتفعت الصرخة من بوابة المصارف التي اتُخذ قرار في حقها يقضي بالحجز عليها وعلى املاكها من دون الانتباه لخطورة القرار خارجياً.
محاولة غير موفقة وكأنها عملية ابراز القدرات في اتخاذ القرارات غير المجدية، والذي يدفع ثمنها المواطن والدولة بسبب غياب حس المسؤولية من المعنيين ونتيجة فقدان الخبرة لرجال الدولة.
كما باتت السرية المصرفية مبالغاً فيها لدى مصرف لبنان الذي تحول حالة غير موثوق فيها نتيجة عدم الوضوح في التعامل مع الازمة، وفقدان الودائع للمودعين وفقدان الاحتياطي الذي بات يشكل من 3 الى 4 مليارات دولار وهذا الرصيد لا يكفي لمدة ثلاثة أشهر لشراء الدواء والمحروقات والاكل، وذلك نتيجة تصرف البنوك بأموال المواطنين واستخدامها بطريقة غير واضحة ونتيجة لعجز البنك المركزي عن تقديم السيولة المطلوبة.
التشكيلات القضائية والثورة
وتزامناً مع ضرب القطاعين الصحي والمصرفي وتأزيم العلاقات مع المجتمع الدولي نتيجة عدم دفع السندات تأتي قصة التشكيلات القضائية التي وضعت وزيرة العدل في المواجهة مع احزاب السلطة. والأخيرة ترى نفسها قيّمة على توزيع الحصص من اجل السيطرة مجدداً على القطاع القضائي حتى اتى تصريح القاضي سهيل عبود رئيس مجلس القضاء الاعلى، وتهديده بالاستقالة اذا تم التدخل في التشكيلات القضائية. ما يعني في حال استقال سيضع القضاء امام فشل جديد يفقده الثقة المحلية والعالمية لعدم القدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة في محاربة الفساد من ناحية، ومن ناحية اخرى ستكون ردة فعل الناس قوية بعد ان عولت على القضاء واجراء الاصلاحات فيه. مما يعيد مجدداً التشديد على الاصلاح القضائي وفصله عن المحاصصة السياسية والمذهبية.
وفي ظل هذا الاستعراض لاهم مشاكل الساعة التي تضع الدولة امام حالة خطرة من الإفلاس والانهيار الاقتصادي والاجتماعي والقضائي، تبقى الانتفاضة الشعبية هي المنقذ الحقيقي للدولة اللبنانية.
وبالرغم من كل المحاولات التي تفرضها الدولة، مستغلة انتشار الوباء لإبعاد صوت الاعتراض، تلتزم الانتفاضة بكل التوجهات التي تحافظ على الناس من وباء “كورونا” وعدم تعريضها لخطر الاصابات والانتشار، لكن يبقى الاهم ان صوت الانتفاضة يجب ان يبقى مستمراً بغض النظر عن الظروف القاسية من خلال استخدام كل الوسائل التي تتيح مخاطبة الناس وعدم السماح للسلطة التفرد بقراراتها التي لا تزال ترى أن الذي يحصل في لبنان شيء عادي، وليس مهماً وبإمكانها اخذ زمام المبادرة من جديد للانقضاض على الثورة واخمادها، وتبقى الشاشات والمنابر والساحات ووسائل التواصل الاجتماعي الاسلحة الجدية بوجه السلطة حالياً ريثما يتم ايجاد خطة جديدة للمواجهة.