كتبت ماريانا معضاد في صحيفة “الجمهورية”:
حتى أمس الأربعاء، حصد الوباء العالمي فيروس «كوفيد-19» في لبنان 4 أرواح، وتخطّى عدد الإصابات الـ130 حالة. وكثرت الأسئلة والأخبار والتوجيهات، منها الصحيحة ومنها الخاطئة. وتمّ تداول خبر اكتشاف لقاح لهذا الفيروس، والقيام بأول تجربة له أمس في الولايات المتحدة. فما هو هذا الفيروس الذي يهدّد الملايين، ويسجن شعوباً بأكملها داخل منازلها؟ وهل سينقذنا اللقاح الجديد من الوباء العالمي الراهن؟
للإجابة عن كل الأسئلة حول فيروس «كوفيد- 19»، أجرت «الجمهورية» مقابلة مع د. رودي باولز، مؤسِس جمعيات وشركات دولية في مجال الطب، ذات خلفية في علوم الصيدلة وعلم الفيروسات، مع خبرة 35 عاماً في مجال الاحتياجات الطبية، بما في ذلك مكافحة فيروس نقص المناعة البشرية أو الـHIV. وهو أحد مخترعي أدوية الـHIV ومؤسّس أكثر من شركة تُعنى بهذه الأدوية. ولديه خبرة في مجال التكنولوجيات المتناهية الصغر.
جهود إضافية
استهلّ الدكتور باولز حديثه قائلاً، إنّه «على الجهات الطبية القيام بمزيد من الجهود في مجال التشخيص. نحن نصنع الكثير من الأدوية، ولكن بهدف استعمال هذه الأدوية بالطريقة الصائبة، نحن بحاجة إلى تشخيص أفضل. في العام 2015، وسط تفشي وباء «الإيبولا» في سيراليون، صدمتني عدم جهوزية العالم لتفشٍ كهذا، ولا سيما من ناحية التشخيص». وأضافَ: «كل فرد في المجال الطبي يعلم أنّ التشخيص هو في جوهر الطب. فكيف لنا أن نعالج المرضى إن لم نعلم ما أصابهم؟ إنّ التشخيص، ولا سيما في مجال الأمراض المعدية، يعمل لصالح الصحة العامة».
وتابع الدكتور باولز: «فيروس «كورونا» معروف منذ سنوات بأنواع عديدة، وهو يصيب الإنسان كما بعض الحيوانات، ولكنه عادةً ما يسبّب مشكلات تنفسية خفيفة. اليوم، تفاجأ المجتمع الطبي بالنسخة الجديدة من فيروس «كورونا»، متناسين أنّه في العامين 2002-2003، تفشّت المتلازمة التنفسية الحادة الوخيمة أو SARS – من الصين أيضاً – وهي نوع من أنواع فيروس «الكورونا»، وكانت نسبة الوفيات أعلى بكثير، بحوالى 9 إلى 10%. وبعد بضعة أعوام، تفشّت متلازمة الشرق الأوسط MERS Virus، وكانت نسبة الوفيات بين 30 و35%. لحسن الحظ، لم يكن هذا الفيروس عالي العدوى.
وفي العام 2020، انتشر فيروس «كوفيد- 19». هذا الفيروس سريع وسهل الانتقال. ونسبة وفيات «الكوفيد- 19» أكثر من 3% بحسب منظمة الصحة العالمية WHO، وهي أعلى من نسبة وفيات الرشح الموسمي (0.1%). ولكن علينا أن نفهم، أنّ هذه النسبة تعتمد على العمر، والوضع الصحي، ومكان الإقامة، كما على القدرة على استشارة الطبيب، والحصول على آلة أوكسيجين».
ولفت باولز الى انّ: «الأرقام الرسمية لعدد الإصابات ليست دقيقة، بل هي تعتمد على عدد الفحوصات التي أُجريت. لذا، الأهم هو وضع حد لسلسلة العدوى. هذه فرصة لكل منا لإظهار تضامننا بعضنا مع البعض، ومسؤوليتنا المجتمعية عن طريق البقاء داخل المنزل وعدم نقل الفيروس، وحماية أنفسنا وعائلاتنا منه».
ووجّه باولز رسالة لكل مواطن في بلد ينتشر فيه فيروس «الكورونا»: «أنت تنقذ أرواحاً من خلال بقائك داخل المنزل وعدم الخروج إلّا عند الضرورة».
وعن اللقاح، قال: «اللقاح الذي تعمل عليه الجهات الطبية اليوم هو للمستقبل، ولن يساعدنا اليوم. لذا كل ما يمكننا فعله الآن هو إيقاف سلسلة الانتقال».
كيف نتخطّى هذه الأزمة؟
بحسب د. رودي، «منذ سنوات عديدة، كان مرض نقص المناعة البشرية HIV بمثابة حكم إعدام للمصاب، بنسبة وفاة تصل إلى 95%. أما اليوم ومع الأدوية الجديدة، فيمكن لمرضى نقص المناعة التمتع بمتوقع عمر طبيعي.
اذاً، يمكننا مكافحة فيروس «كوفيد- 19»، ولكن علينا العمل على الموضوع. وعلى صانعي السياسات الانتباه إلى كل هذه الإنذارات التي نتلقاها – علماً أنّ فيروس «كوفيد- 19» لن يكون الإنذار الأخير. علينا التفكير ملياً بكيفية بنائنا للمستشفيات، وتدريبنا للأطقم الطبية، للتحضّر لتفشيات مماثلة في المستقبل.
الفيروسات هي عدو لا نراه. في الواقع، عدد الوفيات المبكرة جرّاء الالتهابات في الأعوام المئة الأخيرة اكبر من عدد الوفيات الناتجة من كل الحروب والأعمال الجرمية مجتمعة. ولكننا لا نزال ننفق الكثير على المجال العسكري والاسلحة والبنى التحتية، ولا نستثمر كفاية في مجال الصحة، وهنا تكمن المشكلة».
وختم حديثه قائلاً: «البعض يسأل: هل يمكننا تحمّل كلفة الاستثمار في هذا المجال؟ فيما السؤال الحقيقي هو: هل يمكننا تحمّل كلفة عدم الاستثمار في هذا المجال؟ فماذا يحصل اليوم؟ اقتصادات الدول في خطر، وملايين الناس يفقدون أعمالهم… إذاً، يجب أن يكون وزير الصحة بمستوى وزير الدفاع ووزير المالية. فإذا لم تكن الصحة تحت السيطرة، فالاستقرار والنمو الاقتصادي في خطر. نحن نعتبر الصحة كلفة، فيما هي بالفعل استثمار في سبيل الاستقرار. انتهى وقت الكلام والتحليل، حان وقت التصرّف والتنفيذ».