كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
لا تفسر خطوة إعادة مجلس القضاء الاعلى التشكيلات القضائية إلى وزيرة العدل من دون أي تعديل إلا من باب إصراره على التمسك بالصيغة التي أعدها “بعيداً من التدخلات السياسية”. وأن المجلس ينوي السير قدماً في معركته دلالة على استقلالية عمل القضاء. ويفاخر المجلس للمرة الاولى بأنه ينجز مهمته بعيداً من تدخل وزير أو نائب أو مسؤول سياسي أو من ينوب عنه لتأتي ملاحظات وزيرة العدل ماري كلود نجم من باب التشكيك بالمعايير.
مارست الوزيرة حقها في القانون فرد المجلس بممارسة حقه أيضاً، أعاد التأكيد على فعلته لكن مع فارق ان نجم نشرت ملاحظاتها أمام الرأي العام “لكن مجلس القضاء أعاد التشكيلات من دون الأخذ بالملاحظات ولا تعليل او تقديم جواب عن الأسباب التي حالت دون أخذه بها”. بقي الوضع غامضاً بالنسبة الى وزيرة العدل، فبأي منطق رد الملاحظات وما هو جوابه، خصوصاً وان الوزيرة كانت ابدت ملاحظات اعتبرتها جوهرية وتتعلق باعتماد المعيار الطائفي، واعادة النظر بمعايير توزيع القضاة، وعدم اعطاء وزيرة الدفاع رأيها باختيار قضاة المحكمة العسكرية.
ويعكس ما حصل وجود اختلاف جوهري بالشكل بين الطرفين ويعني أيضاً أن مجلس القضاء الأعلى مصر على تشكيلته التي أعدها وهو سبق وحصل على اغلبية اصوات أعضائه أي سبعة أعضاء من أصل عشرة وهو لذلك يرفض التجاوب مع الملاحظات.
أحرج مجلس القضاء الاعلى وزيرة العدل التي التزمت بالقانون الذي لا يمنح مجلس القضاء الاعلى حق اصدار المناقلات والتشكيلات القضائية حصراً بل اعطى حق ابداء الاطلاع عليها لوزراء العدل والدفاع والمالية ثم تعرض على رئيس الحكومة إلى أن تصدر بتوقيع من رئيس الجمهورية الذي له حق قبولها أو رفضها.
كان المفترض الا تصل الامور الى حد ما وصلت اليه، خصوصاً ان وزيرة العدل اذا عادت ووقعت التشكيلات رغم عدم الاخذ بملاحظاتها فيكون توقيعها قد أتى على مضض، وطالما انها شكت في ملاحظاتها من تكريس المجلس تخصيص غرف قضائية لطوائف فيعني صمت المجلس وفق مصادر قضائية انه اعتمد في تشكيلاته على محاصصة برأسين أي أنه رضخ لمنطق الحصص لدى “الثنائي الشيعي” والنائب السابق وليد جنبلاط والرئيس سعد الحريري فيما تقاسم هو التعيينات المسيحية وهو اجراء يمكن أن يتسبب بخوف أي قاض مسيحي من تسلم ملف من ملفات الفساد خشية أن يكون مصيره مطابقاً لمصير القاضية غادة عون (إشكالها مع النائب هادي حبيش) أو مرسيل باسيل (يتابع ملف قبرشمون).
والسؤال هو ماذا ستفعل وزيرة العدل؟ هل توقع وتتجاهل ملاحظاتها فتصبح بذلك محرجة أمام الرأي العام؟ اما السؤال الثاني فهو يتعلق بموقف وزيرة الدفاع زينة عكر من تعيين قضاة المحكمة العسكرية من دون اقتراحها بحسب الاصول؟
بينما ترفض عكر التعليق على الملف سلباً او ايجاباً فإن التجارب السابقة بينت ان الاكثر أهمية في التعيينات العسكرية موقع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية والمؤهل لتوليه خلفاً للقاضي الحالي بيتر جرمانوس القاضي كلود غانم. في المرات السابقة كان الامر منوطاً بقائد الجيش لإبداء موافقته أكثر من وزيرة الدفاع فهل تمت الموافقة مسبقاً على غانم ومعاونيه من القضاة؟ ام ان الوزيرة سيكون لديها ملاحظات اخرى تتعلق بالشكل والمضمون معاً؟
على أن كرة الاعتراض على التشكيلات بالشكل الذي اعده مجلس القضاء الاعلى مؤهلة للتفاقم حتى داخل الجسم القضائي حيث يدرس عدد من القضاة (خارج نادي القضاة) وسيلة الاعتراض والتي قد تكون التقدم باستقالات جماعية اعتراضاً على وجود قفز في الدرجات تصل الى 10 في بعض المواقع .
في ظل الظروف الراهنة تتفاوت الآراء بين من يقول ان ملف التشكيلات سيجمد في أدراج المسؤولين لوجود خلافات تعتريه، خصوصاً ان مجلس القضاء الاعلى يعتبر ان تشكيلاته هذه إما يؤخذ بها وإما سيسحب يده نهائياً، وآخرون يرجحون كفة ان يسلك مساره الى بعبدا فيحظى بتوقيع رئيس الجمهورية ميشال عون حتى ولو كان قانوناً أعرج لوجود حاجة ملحة لملء الشواغر في القضاء بما لا يحتمل ترف التأجيل.