كتب مريم مجدولين لحام في “نداء الوطن”:
مع تفاقم الأزمة الإقتصادية امتلأت السوبرماركات والمحال التجارية بمنتجات جديدة بين منظّفات ومعقّمات وشامبوات وغيرها، صُنعت أغلبها محلياً في الشهر الأول من السنة، إثر أزمة الدولار وارتفاع أسعار السلع وتهاوي المداخيل وانخفاض القدرة الشرائية عند المواطن اللبناني. وعلى خلفية “المال بيجر المال والقمل بيجرّ السيبان” جذب الفقر والعوز مصانع أنتجت مواد استهلاكية رخيصة لا تراعي المعايير والمواصفات الإلزامية المطلوبة.
مع تفاقم الأزمة الإقتصادية امتلأت السوبرماركات والمحال التجارية بمنتجات جديدة بين منظفات ومعقمات وشامبوات وغيرها، صُنعت أغلبها محلياً في الشهر الأول من السنة، إثر أزمة الدولار وارتفاع أسعار السلع وتهاوي المداخيل وانخفاض القدرة الشرائية عند المواطن اللبناني. وعلى خلفية “المال بيجر المال والقمل بيجرّ السيبان” جذب الفقر والعوز مصانع أنتجت مواد استهلاكية رخيصة من دون العودة إلى تطبيق المعايير والمواصفات الإلزامية المطلوبة.
في مسألة وضع معايير السلامة الإلزامية، عادةً ما تحمي الحكومات المستهلكين من خلال تحديد الحد الأدنى من المتطلبات التي يجب أن تلبيها المنتجات قبل توزيعها في السوق أو تصديرها إلى الخارج، حيث تمتثل السلع لأداء معين أو طرق تصنيع ومعالجة أو تصميم وإنشاء أو إنهاء وقواعد تغليف. أما في لبنان، فتنتج المصانع بلا حسيب أو رقيب وتنشر موادها في السوق وبعدها تتذكر وزارة الصناعة أن لها دوراً رقابياً فتسحب عينات من السوق وتخضعها للفحوصات المخبرية المطلوبة وتكتشف المصيبة بعد فوات الأوان!
تصريح الوزارة يدينها
ما من جهود فعلية في توفير سوق أكثر أماناً وسلامةً في لبنان، فبعد انتشار المعقّمات والمنظّفات المصنّعة أو المركّبة محلّياً في السوق عند مختلف نقاط البيع، واستهلاك المواطنين لها لمدة تجاوزت الشهرين، أصدرت وزارة الصناعة اللبنانية بياناً متأخراً، حذرت فيه المستهلكين من شراء أي من المنتجات اللبنانية، إذ تبيّن لها أن العديد منها غير مطابق للمواصفات القياسية الالزامية، لا سيّما المواصفة القياسية رقم NL EN1500:2015، الصادرة عن مؤسسة المقاييس والمواصفات اللبنانية (ليبنور).
لم تبرر الوزارة إهمالها الفادح في كل ما جرى، بل أشارت فقط الى أن المعايير التي لم تتبعها الجهات المنتجة قد “أعطيت صفة الالزام القانوني بموجب المرسوم رقم 5705 الصادر بتاريخ 1-10-2019” وهو الأمر الذي “يعرّض السلامة العامة للخطر” ويُعتبر بطبيعة الحال “اخلالاً بالانتظام العام وبالقوانين المرعية الاجراء” علماً أن سلامة المواطن قد “تعرضت وخلّصت” للخطر والأذية ولن ينفع الكلام أي من المتضررين. كما جاء في البيان تحذير شديد اللهجة لمصنّعي هذه المواد إن لم يلتزموا بعد ذلك بـ”المواصفات النافذة في عمليات الانتاج” وطولبوا بسحب السلع المخالفة من الأسواق في خلال 48 ساعة على أن تتّخذ الوزارة الاجراءات القانونية بحقّ المخالفين وصولاً إلى اقفال مصانعهم، والادّعاء عليهم قضائياً في حال عدم التقيّد بالقانون الذي تجاهلوه بالدرجة الأولى.
أما اللوم الأول فكان بحسب الوزارة على “موت الضمير” إذ دعتهم إلى “صحوة ضميرهم، والتهيّب أمام دقّة وحراجة الأزمة الصحيّة المتأتيّة من تفشّي فيروس كورونا، واعتماد المواطنين على مثل هذه المستحضرات لحمايتهم وعائلاتهم”، لا على اهمالها الرقابي كونها الجهة الرسمية المسؤولة عن تطوير أسس الجودة وعمليات التفتيش على المنتجات الخاضعة للمراقبة وموازين القياس والمنتجات المعبأة مسبقاً في الأسواق اللبنانية.
وأخيراً أكدت الوزارة أنه اعتباراً من تاريخه، ستكثّف الفرق الفنية لديها ومعهد البحوث الصناعية الجهد لأخذ العيّنات واجراء الفحوص في مختبرات المعهد المجهّزة للتحقّق من مطابقة هذه المنتجات للمواصفات المحدّدة فهل يثق المواطن بأن وزارة الصناعة والإدارات المعنية الأخرى ستقوم فعلاً بسحب المنتجات غير المطابقة من الأسواق ونقاط البيع؟ وهل يصدّق أنهم سيسطّرون المحاضر بالمخالفات بحق المصنّع والتاجر؟ وهل ستعوّض الوزارة للمتضررين نتيجة استهتارهم؟
بعد مرور الـ48 ساعة المنشودة، أصدرت الوزارة بياناً تنصح فيه المواطنين بتجنب استعمال “ثلاث ماركات تجارية، اثنتان منها مجهولتا عنوان المصنع، وذلك لعدم تطابقها مع المعايير وهي منتجات: “ميريكل ميدي ستار وx5 هاند جيل (مجهول العنوان) وألكو بلاس (مجهول العنوان)” طبعاً من دون ذكر كيف ستتم ملاحقة مجهولي العناوين اولئك وطمأنت الناس إلى سلامة استعمال ما كان مطابقاَ للمواصفات، ومأخوذة من: صيدلية خوري في القريّة (جنوب لبنان)، أوبتيمال ميدكس Optimal Medics، ساداباك Sadapack في الجية، سانيتا Sanita Persona، ساغا كونسبت Saga Concept في الفنار، ستيريتيك هاند راب Steritech Hand Rub 75 yellow وستيريتيك ساني جل Steritech Sani Gel في صيدا.
إلى ذلك، فتح النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم تحقيقا حول شركات معقّمات ومنظّفات مصنّعة أو مركّبة محلّياً، وكلف المباحث المالية اجراء تحقيق للتأكد من تسجيل تلك الشركات وتصريحها المالي والضريبي وفق الأصول.
جولة ميدانية ورأي المستهلك
وفي جولة ميدانية صغيرة على بعض المحال التجارية الكبيرة، رصدت كاميرا “نداء الوطن” العديد من المنتجات اللبنانية “غير المعروفة” والجديدة في السوق والتي تبين أنها صنعت محلياً في شهر كانون الثاني من سنة 2020 وتمتاز بالتغليف البسيط جداً والسعر المتدني والرخيص مقارنة بالمنتجات المعروفة. كما لاحظنا وضعها في مداخل المحال ضمن المنتجات التي يروج لها على أنها “مناسبة للجيبة”، لم يتم ذكرها في بيان الوزارة ولا نعلم ما إذا كانت أيضاً غير مطابقة للمعايير بما أن الوزارة اخذت فقط عينات عشوائية لم تتضمن كل ما في السوق من جديد، في ظل تهافت المستهلكين على اختيارها ومنها ما هو كيس “للجلي، للغسيل وللتنظيف” معاً وعبوات التعقيم سانيتايزر ومطهر “السبيرتو” على كرتونته رقم هاتف واسم “بيروت” وشامبو للأطفال لا يحمل أي معلومات سوى مكان وسنة الإنتاج ومنتج لتنظيف الأرض مع ممسحة مجاناً وعبوات كبيرة سعة 3.75 ليترات من شبيه الديتول أو آخر شبيه الجافيل ومنظفات عديدة أخرى لم نسمع بها مسبقاً لكنها “صنعت في لبنان” فيختارها المواطن ظناً منه أنه يوفّر ويدعم الإنتاج المحلي في آن معاً.
وقالت باميلا خيرالله، بعدما ملأت عربتها بتلك المنتجات، أنه ليس بمقدورها شراء منظفات غالية وبحسبها “حتى المصانع اللبنانية المعروفة التي كانت تعتمد العائلات متوسطة الدخل والفقيرة عليها قامت برفع أسعارها بشكل هستيري في حين أن المدخول صار نصف راتب وبالليرة اللبنانية، لذا لا يأبه أحد ما إذا كان التغليف ليس بالقدر المطلوب فهو ليس مأكلاً”، وأكملت: “أنظروا من حولكم الفرق بين هذه المنتجات مبالغ به ويوفر لنا مئة ألف ليرة بالحد الأدنى، لذا لا يهمني ما تقوله الوزارة ولا أصدق أصلاً انها ستنفذ انذاراتها، فحسب البيان لديهم 48 ساعة وما زالت تباع هنا وفي عدة سوبرماركات علناً لا بل في قسم العروضات”.
ورأى المستهلك محمد نورالدين، الذي كان يتبضع أن “التحذير الذي أصدرته الوزارة المعنية يحمل بين سطوره رسالة أبعد من أن هذه المستحضرات غير مطابقة للمواصفات”، مستغرباً لماذا “انتظرت الوزارة مدة 48 ساعة ولم تنشر الوزارة أسماء المنتجات المؤذية فوراً كي نتوقف عن استخدامها وشرائها، طريقتهم دبت الهلع في نفوس المواطنين بلا نشر الفحوصات والنتائج المخبرية بشكل شفاف”، وأكمل: “للمواطن حق بالوصول إلى المعلومات وإلى تلك التحاليل التي يزعمون أنه قد تم إجراؤها وقد يكون التحذير الذي نشروه مجرد “هزة عصا” للحفاظ على احتكار الشركات والجهات التي تحتكر الاستيراد والتوزيع التي باتت تتلاعب بأسعار تسليم البضائع بحجة ارتفاع سعر صرف الدولار وبحسابات بسيطة نستطيع أن نرى أن فارق الأسعار الذي ارتفع أخيراً يعادل أضعاف نسبة ارتفاع سعر الصرف”. وختم: “لو كانت الوزارة جادةً في ما يتعلق بحماية المستهلك عليها دعم الصناعة الوطنية بالتزامن مع نشر فرق من المراقبين لمتابعة معامل التصنيع وإجراء الإختبارات اللازمة قبل نشر المساحيق في السوق وفي بيوتنا! لكن يبدو أنه سيبقى حاجز كارتيلات الاستيراد عائقاً أمام تطوير ودعم الصناعات المحلية لتتحلى بالمواصفات المطلوبة للإستهلاك ناهيك عن انه لو كان هناك أي نية لحماية المستهلك لكان تم ضبط أسعار السلع منذ بداية الأزمة”.
معهد البحوث
في حديث هاتفي مع مدير المختبرات في معهد البحوث الصناعية الدكتور جوزيف متى، طلبنا الإطّلاع على الفحوصات منذ اللحظات الأولى لإصدار البيان الأول، وسألناه ما إذا كان يمكنه تزويدنا بصور وأسماء المنتجات التي لم تراع القانون والمعايير الإلزامية فأشار لـ”نداء الوطن” الى أن “الفحص ملك الجهة التي طلبته، أي ملك وزارة الصناعة ووحدها المخوّلة بقرار الإعلان عن تفاصيله ومعلوماته الكاملة”، وأن الوزير يتابع الموضوع بشكل مباشر وإن أردنا معرفة أي شيء حول الفحوصات المخبرية علينا الإتصال به. وأكمل: “ليس من صلاحيتنا النشر، نحن نعطي النتائج للسلطات المختصة ولكن ما يمكننا أن نشدد عليه هو أن هناك مرسوماً الزامياً يفترض أن يُتّبع، أي لا يمكن لأي أحد أن ينشر في السوق موادّ بما يناسبه، هناك مواصفات لبنانية وشروط تقنية الزامية على المصنع التقيد بها ويقول المرسوم الإلزامي في مادته الأولى أن هناك منتجات تخضع لفحوصات وفي مادته الثانية أن معهد البحوث الصناعية مكلّف بالتحقق من مطابقة المنتجات المعنية بهذا المرسوم وبالتالي نحن مجبرون على أن نعامل كل منتج موجود على هذا الأساس، نأخذ المنتج ونحلله ونقارنه بالمواصفات وبعدها نعطي تقريراً كاملاً للسلطات المختصة التي تهتم بدورها بالرقابة على التنفيذ”، وختم: “ما حدث هو أن هناك مجموعة معينة جالت الأسواق وأخذت عينات لمنتجات جديدة في السوق وماركات لم نسمع بها قبل طرحها في السوق أخيراً وأُعطيت لنا، فقمنا بالإجراءات المطلوبة وأبلغنا النتيجة للسلطات”.
الوزير يتجنّب التصريح
ومن منطلق البحث في تفاصيل البيان الصادر عن وزارة الصناعة، اتصلنا بالوزير عماد حب الله وعرّفنا عن أنفسنا وأننا بصدد كتابة تحقيق ميداني حول الموضوع، وبعد طرح السؤال الأول، قال الوزير: “أنصحكم بعدم شراء أي منتج غير معروف” وفجأة تغيّرت نبرة صوته وقال: “الآن بدأتم بالتسجيل على الخط لذا لن أكمل حديثي، شكراً”، وأقفل الخط في وجهنا على الرغم أننا أعلمناه بوضوح أننا نريد منه تصريحاً خاصاً للجريدة.
لم تسلم صحة المواطن من تداعيات الأزمة الإقتصادية فبعد أن ارتفع سعر الصرف في السوق بدأت المشاكل تظهر في جميع القطاعات حتى دخلت بيته مواد التنظيف والتعقيم، إذ يبدو ان المستهلك اللبناني بلا حماية ويواجه خطر الإهمال وحده في حين ان “كل يغني على ليلاه”.