كتب رضوان مرتضى في “الاخبار”:
في الأسبوع الأول من شباط الماضي، قرّر مفوّضُ الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس تقديم استقالته طالباً إنهاء خدماته من سلك القضاء. استقالة جرمانوس التي لم تُبتّ بعد، وضعتها مصادر مقرّبة منه في خانة الاحتجاج على عقوبة تأخيره ٦ أشهر التي حكم بها مجلس تأديب القضاة عليه. هذه العقوبة اعتبرها كثيرون من زملاء القاضي «عقوبة مخفّفة إلى حد التفاهة»، وأن تخفيفها تم بسبب الضغط السياسي لمصلحة جرمانوس.
طُرِد قاضيان وصُرِف ثالث وكُسِرت درجات رابعٍ وخامس. سلسلة أحكام بحق قضاة أصدرها مجلس التأديب استندت إلى التحقيقات التي أجراها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي وهيئة التفتيش القضائي في الملف الفضيحة الذي اشتُهر باسم «ملف سماسرة القضاة». قامت هذه التحقيقات على إفادات السماسرة الموقوفين والتسجيلات الصوتية التي عُثرت على هواتفهم. وبموجب هذه التسجيلات والاعترافات، أُدين معظم القضاة لتصل الأحكام بحق بعضهم إلى الطرد والصرف الذي يُفضي إلى إلغاء تعويض القاضي وراتبه التقاعدي.
غير أن ما سرى على هؤلاء القضاة لم يسرِ على مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بيتر جرمانوس، سواء عندما استُثني من قرار كفّ يد القضاة المشتبه فيهم قبل إصدار الأحكام بحقهم، أو عندما أتت تلك الأحكام مشددة. وهنا كان جلياً حجم التدخّل السياسي الذي شكّل سدّاً لحماية جرمانوس. لم يكن الأخير وباقي القضاة المتّهمين سواسية سوى في التشكيلات التي يجري الإعداد لها. فقد رشح أنّ مجلس القضاء الأعلى قرر تعيين جميع القضاة الذين حوكموا بموجب ملفات فساد في مركز مستشار إضافي، ليُشكّل جرمانوس إلى عدلية بيروت، بعدما تربّع لسنوات محميّاً في منصب مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية.
اطّلعت «الأخبار» على مضمون التحقيقات الأولية مع عدد من السماسرة الذين كانت تربطهم علاقة بالقاضي جرمانوس. أحد هؤلاء كان إيلي ا. الذي زعم أنّه يقوم بتسوية العديد من الملفات القضائية العالقة لدى جرمانوس أو لدى قضاة آخرين. وورد في إفادة إيلي أنّه قدّم العديد من الهدايا للقاضي؛ منها مسدس نوع كولت عيار ٤٥ ملم مطلي بالذهب ومحفور عليه اسمه وسبحة من الذهب بقيمة 1200 دولار وعلب سيجار. طراد هـ. سمسارٌ آخر جرى توقيفه في الملف نفسه كان يعمل مرافقاً مدنياً لجرمانوس خلال توليه منصب محامٍ عام استئنافي في البقاع. وزعم في إفادته أنّه عمِل على حل بعض القضايا العالقة لدى جرمانوس مقابل مبالغ مالية. غير أنّ ما بدا مفاجئاً علاقة جرمانوس الوطيدة بالسمسار جوزيف ع. رغم أنّه كان مطلوباً بموجب عدة مذكرات عدلية وبقضايا مالية واحتيال وشيكات من دون رصيد. إلا أنّ جرمانوس كلفه بمتابعة أموره الشخصية والأمور المتعلقة بجميع المؤسسات الأمنية لجهة طلب الخدمات وتسهيل أمور بعض الأشخاص. وأبقاه قريباً منه، رغم كل الشبهات التي تدور حوله. وتبعاً لمحاضر التحقيقات، فإنّ الأخير زعم أنه كان يقوم بأعمال السمسرة لمصلحة جرمانوس. فذكر أنّه أعطاه أونصتين من الذهب مقابل مساعدة إحدى معارف أحمد ر. بغية دخول الأراضي اللبنانية كونه يوجد بحقه منع دخول. وقال إنّ جرمانوس طلب منه الحصول على ساعة روليكس بعد إتمام المطلوب، لكنّ ذلك لم يحصل. وادعى أنّ جرمانوس حصل على أونصتين من الذهب من المحامي ر. أ. وأونصتين أيضاً من م. ر. المشتبه فيه بتجارة المخدرات.
كذلك ادعى السمسار الموقوف أنّ القاضي حصل على هدية تتراوح قيمتها بين سبعة وعشرة ملايين ليرة مقابل مساعدة ضابط وشخص موقوفَين بجرائم مخدرات لمصلحة محكمة التمييز العسكرية، وأنّ المحامي د. م. أهداه بندقية من نوع mp5 بعدما ساعده القاضي في ملف يخصّه. وزعم أنّ القاضي قبض مبلغ 50 ألف دولار من رجل أعمال معروف لمساعدته في ملف يخص ابنته في دائرة التحقيق في بعبدا.
لم تتوقف مزاعم السمسار بحق جرمانوس. فقد ذكر أنّ «صديقه» القاضي أخبره في صيف 2018 أنّه يسعى لتسلّم رئاسة مجلس شورى الدولة، طالباً منه عدم الحضور إلى المحكمة العسكرية لعدم لفت الأنظار، إنما مقابلته في منزله.
أما في ما يتعلّق بقضية المقدم سوزان الحاج، فروى السمسار جوزيف للمحققين أنّ القاضي جرمانوس أخبره أنّ وزير العدل السابق سليم جريصاتي طلب من القاضي رياض أبو غيدا إخلاء سبيل المقدم الحاج وطلب منه تصديق قرار أبو غيدا، كاشفاً أنّ جرمانوس لم يكن مقتنعاً. كما ادعى السمسار بأنّ القاضي جرمانوس قبض مبلغ 50 ألف دولار من نائب عن دائرة المتن (سلّمه إياه جوزيف بيده) لقاء مساعدته فتاة كانت موقوفة في جريمة قتل. وذكر أنّه خلال فترة الانتخابات النيابية، نقل من منزل مرشح متني ظرفاً بداخله مبلغ من المال وسلّمه للقاضي. وتحدث عن زيارات متكررة لكل من إيلي ر، ورئيس إحدى البلديات البقاعية إلى المحكمة العسكرية لزيارة القاضي جرمانوس حاملين هدايا له.
لم يقتصر الأمر على قبض المبالغ المالية وقبول الهدايا. فقد أبلغ السمسار الموقوف المحققين بأنّ جرمانوس كلّفه بالبحث عن صاحب أرض فيها رمول أو صخور بغية تنظيم ترخيص قانوني له للحصول على المال. وذكر أنّه جرّاء توقيف السمسارين إيلي وخالد ب.، اتّصل به جرمانوس طالباً منه الحضور إلى منزله وأبدى استياءه مما قامت به قوى الأمن، مشيراً إلى أنّ القاضي طلب منه أن يُبلغ مديرية قوى الأمن أنّه لم يتوسّع بالتحقيق في ملف المطار بغية عدم توقيف العقيد بلال الحجّار حفاظاً على سمعة المديرية. كذلك تحدّث السمسار عن وجود علاقة وطيدة بين القاضي وأحد التجّار الذي يملك يختاً يمضي عليه جرمانوس أغلب أيام الصيف في المارينا والزيتونة باي، حيث يتم تكريمه وتُرسل له الهدايا.
جوزيف لم يكن السمسار الوحيد الذي ربطته علاقة متينة بجرمانوس. فقد تعرّف الأخير إلى السمسار سالم ع. عام 2018 أثناء عودتهما من موناكو. أعقب هذا التعارف زيارة من سالم لجرمانوس في منزله، حيث أهداه ليرة ذهبية. وذكر السمسار أمام المحققين أنّ جرمانوس سافر برفقته إلى قبرص التركية، حيث مكثا في فندق Merit ولعبا الميسر، وأنّه (سالم) دفع تكاليف تذكرة سفر القاضي بناءً على طلب الأخير. وتحدث سالم عند دعوة ثانية إلى الفندق نفسه في قبرص قبلها القاضي حيث مكث بضيافته يومين.
تجدر الإشارة إلى أنّ هيئة التفتيش القضائي لم تستكمل التحقيقات مع باقي القضاة الذين وردت أسماؤهم في المحاضر التي نظّمها فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، إنما توقفت التحقيقات لأسباب غير معروفة. كذلك لم يجرِ الادعاء عدلياً على القضاة الذين تبيّن تورّطهم في ملفات فساد وقبض رشى.