كتبت غادة حلاوي في صحيفة “نداء الوطن”:
ليس مستغرباً أن يشكر رئيس أميركا دونالد ترامب الحكومة اللبنانية على تعاونها في اطلاق سراح العميل الاسرائيلي عامر الفاخوري. فترامب اعتاد أن يشكر رؤساء الدول حيث يتم اطلاق سراح مواطنين اميركيين، تماماً كما تفعل الخارجية الأميركية.
غير أن كلام ترامب لاقى استياء من قبل رئيس الحكومة حسان دياب الذي نقلت أوساطه أنه قابل كلام ترامب بالاستياء لانه أظهر وكأن الحكومة ورئيسها أخذا قراراً بالإفراج عن الفاخوري، وهذا أمر غير صحيح، معتبراً ان الرئيس الأميركي يقصد الدولة اللبنانية وليس الحكومة ولا رئيسها لكونه لم يتدخل والحكومة بالملف من الاساس، وعندما طرح عليه هذا الموضوع من قبل السفيرة الاميركية السابقة كان جوابه أنه موضوع قضائي بحت وأن الدستور في لبنان ينص على فصل السلطات.
منذ لحظة توقيفه في لبنان لم تقتنع أي جهة لبنانية أن الفاخوري، المعروف باسم “جزار الخيام”، والعميل الذي أدمى قلوب الجنوبيين، بات برتبة مواطن اميركي، تأهبت اميركا لاطلاق سراحه بالتهديد والوعيد. كثرت التساؤلات عن اهميته ودوره الاستخباراتي وعن المهمة التي جاء من أجلها الى لبنان. ولغاية اليوم لا يزال هذا اللغز عصياً على فهم الجهات الأمنية. لكن أهمية الرجل التي ظهرت من خلال اصرار الاميركيين على اطلاق سراحه يحصرها أحد اللبنانيين من أصل أميركي ممن تربطه علاقة وثيقة بأعضاء في الكونغرس الاميركي، بكونه مواطناً اميركياً اولاً ثم لارتباط الجهة التي اوقفته بـ”حزب الله” وفق تفسير الاميركيين.
حين أوقف الفاخوري إتصل أحد أفراد عائلته بالسيناتور التابع للمنطقة حيث يقيم في نيو هامپشر سينثيا جين شاهين، من الحزب الديموقراطي، شاكياً توقيفه من دون وجه حق، وقال في سياق الكتاب الذي أرسله عبر البريد الإلكتروني ان الفاخوري أوقف من قبل جهاز أمني تابع لـ”حزب الله”، وقد نشر خبر توقيفه في صحيفة ناطقة بلسان هذا الحزب المصنف على انه تنظيم أرهابي في أميركا.
من هنا بدأت الحكاية. رأى فيها هذا السيناتور فرصته خصوصاً أن الكتاب أرفق بعبارة ان توقيفه جاء مخالفاً للقانون اللبناني وأنه لم يرتكب الجرائم التي يتهم بارتكابها. حسب النظام الاميركي لأي مواطن اميركي الحق في مراسلة سيناتور منطقته الذي يتجاوب معه بسرعة، وأحياناً يرسل السيناتور لأي مواطن عارضاً مساعدته في حال كانت لديه اي شكوى.
تلقف هذا السيناتور الموضوع بما أنه ارتبط بـ”حزب الله”، وسارع لنشر الخبر في وسائل الاعلام، وأجرت معه “فوكس نيوز” مقابلة في ايلول الماضي، في وقت كان سيناتور أميركي آخر هو تيد كروز يعد مساءلة عن المساعدات الأميركية للجيش اللبناني وحجم استفادة “حزب الله” من هذه المساعدات، ليشكل هذا الموضوع تقاطعاً بين سيناتور ديموقراطي وآخر جمهوري، وكانت الثغرة التي استفادا منها هي تلك المادة في القانون اللبناني التي تنص على كف التعقبات بمرور الزمن.
في هذا الوقت كانت وصلت رسالة بأمر الفاخوري الى الخارجية الاميركية التي وضعتها قيد المتابعة، واعتبرت انها تتعلق بمواطن اميركي موقوف كرهينة في لبنان من قبل “حزب الله”. ومن هنا انطلق العمل الديبلوماسي وبدأت مراجعات المسؤولين الاميركيين للبنان بشأنه، وفي كل مرة كانت تلك الرسائل تحمل تهديداً واضحاً بتحميل لبنان مسؤولية ما قد يتعرض له الفاخوري لاعتبارهم ان “حزب الله” يقف خلف توقيفه.
وكان مسؤولون أمنيون لبنانيون يراجعون “حزب الله” في الجدوى من توقيفه طالما أن لهذا الأمر هذا الحجم من التبعات عليهم، وهو ما تبلغوه صراحة على لسان السفيرة الاميركية السابقة التي أوضحت، أن الحساب سيطاول كل جهة كان لها دور في توقيف الفاخوري من الأمن العام الى القضاء.
أعطى التلويح الاميركي بالعقوبات زخماً أكبر للموضوع لتنفذ اللجنة القانونية الاميركية التي تولته من القانون على قاعدة “من فمه أدينه”.
يقول العارفون بالقانون الاميركي ان سياق ما حصل طبيعي في أميركا حيث لا تتطابق مقاربة المواضيع مع ما هو حاصل في لبنان، والدولة تتتبع أمور مواطنيها في السياق العادي فكيف إذا كان ما قيل، يندرج في كونه فعلاً لـ”حزب الله” صلة به وهو أوقف من دون وجه حق قانوني؟
وهذه النقطة الأخيرة كفيلة بأن تحمل الفاخوري على إدانة الجهات التي أوقفته والتقدم بدعوى ضدها لدى المحاكم الاميركية مع المطالبة بعطل وضرر نتيجة أشهر توقيفه.
وهذا كله سببه تلك القوانين البالية في لبنان التي لم تستدرك اي جهة قانونية أمرها بالادعاء على الفاخوري، وتقول مصادر مطلعة على القوانين الاميركية انه بالإمكان رفع مثل هذه الدعوى اليوم. فالفاخوري الذي نال جنسيته الاميركية على أساس أنه لم يرتكب اي جرائم قتل وتعدّ يمكن ان تسحب جنسيته ولو بعد حين في حال ثبتت ادانته بارتكاب جرائم انسانية. لكن مثل هذا العمل يتطلب مواكبة وفريقاً قانونياً متمرساً بين لبنان واميركا.
الموضوع لم تنته فصوله بعد، وتكشف معلومات على صلة بالموضوع ان ما حصل مع الفاخوري سيعيد فتح ملف الفارين إلى اسرائيل بقوة، ومن قبل أطراف خارجية وسيكون المدخل الى معالجة قضيتهم الاستفادة من “مرور الزمن” على جرائمهم.
لكن تبقى الغرابة في أن الجهة التي اوقفت الفاخوري لم تسع لتطويق الأمر قانونياً وهي تعرف أنّ “مرور الزمن” كان سارياً على جرائمه؟