IMLebanon

«كورونا» لبنان: عزلة بلا إعالة!

كتبت أنديرا مطر في صحيفة القبس:

مع تسجيل لبنان إصابات بفيروس كورونا المستجد، اتخذت الحكومة، مثلها مثل باقي البلدان الموبوءة، سلسلة اجراءات وقائية لمنع تفشّي الوباء. ولكن ارتفاع عدد الاصابات، فاقم المخاوف من فقدان السيطرة على الوباء، لا سيما أن الواقع الصحي والاستشفائي لا يمتلك مقوّمات الصمود طويلاً، وهو ما دفع الحكومة لإعلان حال طوارئ صحية وضعت البلاد بأسرها في حجر صحي وعزلتها عن الخارج.

حل «كورونا» في لبنان زائراً مباغتاً، ثقيلاً ومقلقاً. فالبلد يعيش أزمة اقتصادية ومالية غير مسبوقة في تاريخه. في غضون أشهر، فقدت الليرة أكثر من 40 في المئة من قيمتها في مقابل الدولار الاميركي، وخسر أكثر من 250 الف عامل أشغالهم، كما اقفل اكثر من 1500 مؤسسة ومطعم ومحل تجاري ابوابه. والحبل على الجرار.
وعشية وصول «كورونا» الينا، كانت الحكومة قد اعلنت ان الاحتياطات المالية من العملة الصعبة بالكاد تكفي لتغطية الواردات الاساسية للشعب. واذا كانت قطاعات الاقتصاد المنتجة قبل ازمة «كورونا» قد شارفت على الاحتضار. يخشى ان تكون قد لفظت انفاسها، في ظل اعلان الحكومة التعبئة العامة وتوقّف العمل في المؤسسات العامة والخاصة، واقفال كل المعابر البرية والجوية. بعض القطاعات ظلت تقاوم بــ«اللحم الحي»، كما يقال من أجل البقاء، لكنها أرغمت على الأقفال اليوم وسط غموض وقلق على مصير العمل والعمال، لا سيما أن مدة الإقفال غير محددة بعد وقد تطول.
وبلغة الأرقام، يتبيّن حجم الخسائر في الاعمال التجارية منذ 2011 وحتى عام 2019. ففي هذه المرحلة، سجلت انخفاضا بلغ 40 في المئة. اما المرحلة الثانية او مرحلة الانتفاضة اللبنانية الممتدة من اكتوبر 2019 وحتى اوائل مارس 2020 فقد سجلت الاعمال التجارية انخفاضا بقيمة 70 في المئة، مقارنة بالعام الماضي. أما المرحلة الثالثة، وهي مرحلة «كورونا» فكانت نسبة الاعمال التجارية تقريبا صفراً.

«كورونا» عطّل القطاع السياحي في لبنان، كما في العالم بأسره. الرحلات الجوية متوقّفة، الفنادق شبه خالية، مع نسبة أشغال لا تتجاوز 5 في المئة. وإذا كانت خسائر القطاع قُدّرت بـــ 700 مليون دولار في عام 2019، فإن الأشهر الثلاثة الاولى من عام 2020 قد سجلت خسائر موازية. نقيب أصحاب المطاعم طوني الرامي، أشار الى انّ كلّ يوم اقفال اضافي للمطاعم سيكبّدها خسائر فادحة، «فالقطاع السياحي يوظّف 150 الف عامل، بالاضافة الى ارباب العمل وعائلاتهم الذين يعتاشون من هذا القطاع». وأشار الى انّ الدخل السياحي في لبنان يصل الى 5 مليارات دولار سنوياً، بما يعني أنّ القطاع السياحي (فنادق، مطاعم، ومكاتب سياحية) يتكبّد خسارة تبلغ 500 مليون دولار شهرياً. وبناء على المعطيات والارقام، يتوقّع الخبراء الاقتصاديون ان تتسبّب ازمة «كورونا» بفقدان أكثر من ثلث اليد العاملة في لبنان قدرتها على تأمين ثمن المواد الغذائية الضرورية.

وفي مقابل هذه الأرقام الكارثية، يرى بعض المهتمين بالشأن الاقتصادي ثمة جوانب قد تنعكس بصورة إيجابية على الوضع المالي المتهالك للدولة اللبنانية. ويسوقون مثالا على ان «اقفال المعابر وتراجع الحركة التجارية إلى درجات متدنية سيؤدي إلى تراجع حركة الاستيراد، ما يعني تراجع مستوى العجز في ميزان المدفوعات، إضافة إلى أن تراجع سعر برميل النفط عالميا سيؤدي إلى تراجع الفاتورة النفطية للبنان». يتساءل بعض اللبنانيين، كما تساءلوا بعد هدوء حركة الاحتجاجات الشعبية، عما اذا كانت الانتفاضة الشعبية قد شكّلت منقذاً للطبقة السياسية، وبرأتها من مسؤولية الانهيار الاقتصادي المقبل، لا محالة، ويسألون اليوم: هل حل «كورونا» بربوعنا، ليقدّم صك براءة لهذه السلطة؟ في حين لو فشلت في وضع خطة انقاذية مالية اقتصادية صحية، بذريعة ان الوباء عالمي واكبر اقتصادات العالم قد انهار أمامه؟