كتب منير الربيع في “المدن”:
أزمة كورونا العالمية، والعاصفة بلبنان، لم تجنّب هذا البلد الصغير البقاء تحت مجهر العين الدولية. فكورونا- وهي تسيّست وتطيّفت وتمذهبت في سجالات كثرة من اللبنانيين: هل مصدر الإصابة الأولى إيران أم إيطاليا؟ واتخذت السجالات طابعاً مسيحياً إسلامياً – أبقت لبنان في عين التجاذب السياسي الدولي. ولم يوقف وباء كورونا تسابق القوى السياسية المحلية والدولية المتناقضة عن تسجيل النقاط.
وإلى جانب كورونا تستمر الأزمة الاقتصادية في تفاقمها، نتيجة إجراءات منع انتشار الوباء، واحتمال تحول لبنان إلى حالة مماثلة لإيطاليا. ومنذ اللحظة الأولى حصلت ضغوط دولية على لبنان من بوابة كورونا: في ملف ضرورة إلغاء الرحلات الجوية بين إيران وبيروت، والتي لم تستجب لها الحكومة إلا متأخرة.
استمرار الرحلات هذه، دفع قوى دولية عديدة إلى توجيه رسائل سلبية إلى الحكومة اللبنانية: من غير المقبول استمرار تدفق الرحلات الإيرانية إلى لبنان. وهذا ما دفع بقوى محلية إلى رفع الصوت، متهمة رئيس الحكومة ووزير الصحة بالتسبب بكارثة صحية، نتيجة عدم إقدامهما على اتخاذ قرار حاسم بوقف الرحلات مع إيران.
وكانت بعض الدول التي تفرض عقوبات على لبنان، تطرح تساؤلات حول عدم اتخاذ القرارت الملائمة، وبدأت حملة تقصي المعلومات حول الأشخاص الذين يأتون من إيران، وإذا ما كانوا لبنانيين أم إيرانيين.
إيرانيون أم من حزب الله؟
طرحت القوى الدولية سؤالين: الأول، هل هؤلاء اللبنانيون من مقاتلي حزب الله الذين يتلقون دورات تدريبية في إيران، ويعودون إلى لبنان بين صفوف الحجاج اللبنانيين؟ والثاني، هل بين السياح الإيرانيين الذين قدموا إلى لبنان عناصر في الحرس الثوري الإيراني، لا يمكنهم الانقطاع عن زيارة لبنان لأسباب سياسية وعسكرية وتسلحية؟
إلى جانب السؤالين طرحت فرضية ثالثة، حول مجيء إيرانيين إلى لبنان لتلقي العلاج في مستشفيات الضاحية الجنوبية. بمعزل عن تقييم هذا الكلام ومدى صحته من عدمه، لا شك في استخدامه في البازار السياسي المفتوح، وغير المنفصل عن بازار الضغوط الاقتصادية التي يتعرض لها لبنان.
المعابر البرّيّة
بعد إلغاء الرحلات الجوية، استمر التمحيص في الرحلات البرية بين لبنان وسوريا. فقيل إن عناصر من حزب الله وإيرانيين يدخلون الأراضي اللبنانية برّاً. فأثيرت مسألة المعابر غير الشرعية بين لبنان وسوريا، والتي يسيطر عليها حزب الله.
هنا اعتبرت مصادر أوروبية أن لبنان يواجه أزمة كورونا مكشوفاً بسبب عدم سيطرته على معابره وحدوده. وذهبت المصادر الأوروبية والدولية الأخرى إلى ما هو أبعد من ذلك: على الرغم من قرار وقف الرحلات، استمرت الاتهامات الموجهة لحزب الله بأنه يُدخِل عشرات الإيرانيين واللبنانيين من معابر غير شرعية، ومن دون إخضاعهم للفحوصات الطبية المطلوبة. وهنا طُرح سؤال عما إذا كان حزب الله يمتلك تقنيات وأجهزة لإجراء الفحوصات اللازمة. وهذا ما لم يتأخر في الإجابة عليه أمين عام حزب الله حسن نصر الله، الذي أشار إلى أن الحزب وضع 20 ألف عنصر من الهيئة الصحية في خدمة مكافحة الوباء.
وتخطّى السجال الحالة الصحية في مكافحة كورونا، لينفتح على مصراعيه حول ملفات اقتصادية وسياسية. فأعادت القوى الدولية التذكير بأن الحكومتين اللبنانيتين السابقتين تعهدتا بإغلاق المعابر غير الشرعية، وخرج وزراء أكثر من مرّة مؤكدين أن المعابر قد أغلقت. وهذا ما جرى دحضه في أكثر من محطة، أثناء أزمة كورونا وقبلها. وذلك من خلال إغراق السوق اللبنانية بمواد استهلاكية إيرانية وسورية في مواجهة الأزمة الإقتصادية والمالية.
نصرالله: معابر متقابلة
هذا السجال ردّ عليه نصر الله على طريقته، عندما توجه إلى من صمتوا عن “المعابر غير الشرعية” التي استخدمتها الولايات المتحدة الأميركية لتهريب العميل عامر الفاخوري. فأشار نصرالله إلى أن الصامتين عن معابر أميركا، لا يمكنهم الحديث عن معابر غير شرعية أخرى. وهذا يعني أن حزب الله مستمر في الحفاظ على معابره غير الشرعية لضرورات يعتبرها استراتيجية في معركة وجوده ونفوذه.
المصادر الديبلوماسية تربط كلام نصر الله حول نفوذ حزبه في لبنان، وإقراره بنفوذ أميركي أيضاً، بأنه يرسم خطاً بيانياً واضحاً: النفوذ الأميركي يقابله النفوذ الإيراني. والمعابر مقابل معابر أخرى.
هذه المعادلة، بحسب المصادر الأوروبية، تشير إلى أن حزب الله وإيران ليسا في وارد التخلي عنها، لأنها ترتبط باستمرار السياسة الإيرانية التوسعية إياها. خصوصاً أن إيران لم تتوقف عن إرسال الخبراء العسكريين إلى لبنان في هذه المرحلة الدقيقة، بهدف المضي قدماً بمشاريعها السرية، وأبرزها الصواريخ الدقيقة التي تتخذ من الأراضي اللبنانية مقرًّا لها، وتُنفذ في البلاد برعاية حزب الله.
أزمة كورونا لن توقف هذا المشروع. ولن توقف الضغوط الأميركية والدولية من جهة مقابلة. وما بين الأزمتين، الصحية والإقتصادية – السياسية، سيذهب الوضع في لبنان نحو الأسوأ: اهتراء الدولة وتحللها. فهي عاجزة عن رعاية أبنائها صحياً، وعن إنجاز خطة اقتصادية تحد من انهيار القطاعين الاقتصادي والمالي. وهي لن تتمكن من توفير الحصانة السياسية للنظام السياسي ومؤسسات الدولة، والتي تترهل أكثر فأكثر. وذلك بسبب صراعات النفوذ، وخرق حزب الله أو خصومه وحلفاؤه القوانين.
ويبرز في هذا السياق إطلاق سراح العميل عامر الفاخوري، والإلتفاف على القوانين، وصولاً إلى اغتيال أحد العملاء السابقين المحكومين والمسجونين، رداً على تهريب الفاخوري وربما لإشفاء غليل الممتعضين من عملية التهريب. وهذه أيضاً تحصل على حساب القانون والمؤسسات، وتصب في صالح أصحاب الرؤوس الحامية فقط، وتسهم في إنهاء ما تبقى من الدولة اللبنانية.