كتب علي الأمين في “نداء الوطن”:
غريب أمر ساسة لبنانيين، يمارسون “براغماتية كورونية” متعنّتة، حتى لو أدت إلى نكبة البلاد بما يشبه “الإبادة الجماعية” للعباد ولا يبقى اي مبشر أو بشر، كله كرمى لعيون مذهبية وسياسية ورئاسية !
ساسة لم يموتوا ولا يرون من مات حولهم في العالم المتقدّم مقارنة مع وطن نام متأخّر، يراوغون بإجراءات وسطية، للهروب من إعلان حال طوارئ حقيقية دستورية، تُمكن من إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح على قاعدة ان كل يوم تأخير يرتّب الوقوع تحت طائلة “البند الأخلاقي” الذي يكلف خسائر بشرية فادحة.
فإعلان حال الطوارئ في لبنان، خيار وجودي وليس فعل ترف سياسي في مواجهة جائحة “كورونا”، تتفادى السلطة السياسية الذهاب نحو هذا القرار، الذي لجأت اليه اكثر الدول ولا سيما تلك العريقة في الديموقراطية وقوة المؤسسات المدنية كفرنسا واسبانيا وايطاليا وغيرها من الدول.
ثمة مخاطر وجودية تفرضها الوقائع التي تكشف عن الانتشار السريع لهذا الفيروس بين البشر، ذلك ان الثابت ان الحجر والعزلة، هما الوسيلة الوحيدة المتاحة للحدّ من انتشاره، كل الرسائل الطبية والتوجيهية تركز على عدم التنقل ومنع التواصل المباشر بين البشر، البقاء في البيوت، مع التشدد في اجراءات الوقاية بين الأفراد داخل الأسرة الواحدة.
في لبنان من الواضح ان ثمة تفاوتاً في الالتزام، وفي القدرة على الالزام بالحجر أو العزل بين منطقة وأخرى وبين فرد وآخر، وهذا يكشف عن خلل سيفرض لاحقاً اتخاذ قرارات أشد، وبالتأكيد اعلان حال الطوارئ التي ستعطي القوة العسكرية صلاحية فرض منع التجوّل والاشراف على ادارة مواجهة الكورونا والتنسيق بين مختلف القطاعات الصحية والاغاثية والغذائية، ولكن في ذلك الحين سيفقد هذا الاجراء معناه، لأن الكارثة ستكون حقيقة واقعة لن ينفع معها شيء.
استباقا للكارثة، وللاستفادة من تجارب الدول في العالم، فان الثابت هو ان لبنان يحتاج اليوم الى سلطة الزام وزجر لا يمكن ان تتحقق الا من خلال حال الطوارئ.
الصور المتناقلة من مناطق لبنانية عدة، تشير الى ان ثمة تهاوناً متفاوتاً في الالتزام بالاجراءات والتوجيهات من قبل المواطنين، في طرابلس على سبيل المثال أظهرت بعض التقارير الاعلامية، حجماً غير مقبول من التفلت منها، هذا ما اظهرته بعض الاسواق فيها، التي بدت امس في حالة غياب شبه كلي عن اتخاذ الاحتياطات، الأمر نفسه يمكن ملاحظته في مناطق شمالية وأخرى في البقاع والجنوب، ويمكن ملاحظة ان المبادرات المجتمعية والأحزاب السلطوية، هي من يدير عملية المواجهة مع الكورونا، وهي تتفاوت، قد تكون ناجحة نسبيا في بعض المناطق وبنجاح أقل في مناطق أخرى.
ليس خافياً أن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، هو من يقف في وجه قرار إعلان الطوارئ، هذا ما نقلته اوساط قريبة من الرئيس نبيه بري، فضلاً عن مصادر حكومية، وهو موقف يستند بحسب هذه المصادر، الى اعتبارات سياسية، اكثر مما يتصل بقدرات الدولة والجيش على ادارة حال الطوارئ. وتشير المصادر الى أن الحجة المعلنة للرفض، هي ان الدولة عاجزة عن تلبية متطلبات الزام المواطنين بالبقاء في بيوتهم، لا سيما على مستوى تأمين شروط العيش وتوفير مستلزمات بقاء المواطنين لمدد زمنية طويلة او قصيرة في منازلهم، الى جانب ما يفرضه ذلك من التزامات قانونية وحياتية ليست الدولة جاهزة لتحملها.
في المقابل وازاء المخاطر الوجودية التي تتضح امام الجميع، لم يعد الخيار بين توفر الشروط او عدم توفرها لإعلان حال الطوارئ، القرار الوحيد الصائب، هو الزام المواطنين بعدم الخروج من منازلهم، القرار هذا مهما كانت كلفته الا انها اقل بكثير من كلفة بقاء الوضع رهناً لمزاج او تصرف بعض المواطنين. الفرض والإلزام هما الطريقة الأفعل لمواجهة الكورونا، وهذا لن يتحقق بالاستناد الى المرجعيات في كل منطقة او كل طائفة على اهميته، الا انه سيبقى غير كاف، لأنه بالضرورة سيبقى خاضعاً لحسابات واعتبارات متفاوتة.
تولّي الجيش ادارة هذه الحرب ضد جائحة “كورونا”، هو الخيار الأنجع والأقل كلفة، ولأن المخاطر تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة، واعتبارات انتخابية وحزبية ضيقة، ولأن الوقائع في العالم تقول ان الخطر يطال كل إنسان، بات من الواجب الانساني والوطني ان تتولى المؤسسة العسكرية عملية ادارة المواجهة، طالما أن الجميع يشكو من عدم التزام المواطنين، ومن خلل في تنفيذ الاجراءات المرافقة للحجر، فان القرار الصائب هو الانتقال من مرحلة الاتكاء على وعي المواطن وانضباطه الارادي الى فرض حال الطوارئ لحماية المجتمع والدولة من بعض المتفلتين من المسؤولية بحق او بغير حق.