كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
إختارت الحكومة سياسة الاجراءات المتدحرجة لاحتواء فيروس “كورونا” بداية، ومكافحته في مرحلة لاحقة بعد تمدده على كامل الخريطة اللبنانية، حيث سجّل عدّاد “كورونا” أمس ارتفاعاً ملحوظاً في الاصابات. تحاول الحكومة وفق المطلعين على مشاوراتها، الموازنة بين صعوبة الوضع الاقتصادي والمالي الضاغط لا سيما على ذوي الدخل المحدود، وبين مقتضيات الورشة الصحية التي يشرف عليها السراي الحكومي عبر لجنة المتابعة. ولهذا تصدت للضغوط التي مورست عليها لاعلان حال الطوارئ وفضّلت اعتماد سلّم الاجراءات على نحو تصاعدي هادئ بلا تسرّع.
كانت البداية مع اعلان حال التعبئة العامة، يوم الأحد الماضي في 16 آذار، ولو أنّ “حزب الله” استبق القرار بإسقاط معارضته لحال الطوارئ. لكن مجلس الوزراء فضّل ترك هامش من الحرية أمام اللبنانيين من خلال تجنّب تجرع كأس منح الإمرة للقوى العسكرية، بفعل إعلان حال الطوارئ التي تحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، بناءً على المادة 65 من الدستور.
يومها، يقول أحد الوزراء إنّ النقاش انطلق من طلب أحد الوزراء فرض حال الطوارئ أسوة بالدول الواقعة تحت سيطرة الوباء، ومنها الصين وايطاليا اللتان تسلحتا بالقوى الأمنية والعسكرية لفرض الحظر العام. فكان جواب وزير الداخلية محمد فهمي أنّ للقرار تبعاته القانونية ويفترض التسلّح بالتروي قبل اتخاذ قرار من هذا النوع. ولذا تمّت الاستعانة بمقاربة دستورية – قانونية قدمها يومها الوزير السابق ناجي البستاني الذي أوصى بخيار التعبئة العامة، والطلب إلى القوى الأمنية العمل على تطبيق الخطة التي وضعها مجلس الوزراء. يوم السبت الماضي، أعلن رئيس الحكومة حسّان دياب عن حظر تجوّل ذاتي فيما تولى وزير الداخلية اعلان الاجراءات الواجب اتخاذها من أجل الوقاية الملزمة… والتي تشارك فيها المؤسسة العسكرية كما بقية المؤسسات الأمنية كلٌ ضمن الصلاحيات المناطة بها دستورياً. فكان “سلاح” المحاضر بيد قوى الأمن الداخلي التي راحت تسطر مئات المحاضر بحق مخالفي قرارات مجلس الوزراء، بينما تولت البلديات عمليات المراقبة والتنفيذ في نطاق بلداتها لا سيما تلك التي في الأطراف.
يؤكد أحد الوزراء البارزين أنّ ما يحصل راهناً هو أشبه بحال الطوارئ لجهة الطلب من القوى الأمنية تطبيق خطة الحكومة، وجلّ ما تحرص عليه السلطة التنفيذية هو تسهيل حركة المواطنين لتأمين حاجاتهم ولذا هي لم تلجأ إلى حال الطوارئ وفق المرسوم الاشتراعي رقم 52 الصادر العام 1967 والذي يحوّل البلاد إلى منطقة عسكرية بالكامل.
ومع ذلك، تكثّفت خلال الساعات الأخيرة النداءات الداعية للاستعانة بـ”عضلات” القوى الأمنية من خلال فرض حال الطوارئ، حيث طالب رئيس مجلس النواب نبيه بري صراحة بهذا الإجراء كاشفاً انه اتصل برئيس الحكومة بعد اتصال ورده من رئيس الصليب الأحمر وأنه تمنى على دياب التشاور مع رئيس الجمهورية لهذه الغاية. وقال: “أطالب بحال طوارئ فورية وسريعة لأن الوضع لا يحتمل”.
قبله بساعات، كان الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله يكرر من جديد انه “لا مانع للحكومة اللبنانية ان تفرض حال الطوارئ”، كما انضم “تيار المستقبل” إلى خندق المشتكين من عدم فعالية الاجراءات المتخذة… ما زاد من علامات الاستفهام حول وجود عوامل سياسية تحول دون بلوغ كرة ثلج الاجراءات، مستوياتها القصوى، حيث يتردد أنّ ممانعة رئيس الجمهورية ميشال عون هي التي تحول دون تسلّم الجيش، صلاحية المحافظة على الأمن، فتصبح كل القوى والأجهزة الأمنية تحت إمرته، وذلك لحسابات رئاسية تتصل بمستقبل رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، في ضوء الحساسيات المتوارثة بين موارنة “الصف الأول”.
وفق المطلعين على موقف بري ليس الهدف توسيع صلاحية الجيش وإنما إلزام الناس بإجراءات الوقاية والعزل لا سيما في مناطق الأطراف حيث لا تزال حالات التفلّت سائدة. ينفي هؤلاء وجود خلاف سياسي حول دور الجيش مؤكدين أنّ الحرص مشترك مع مختلف المسؤولين لا سيما رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة، ويعرف الرئيس بري جيداً مقتضيات حال الطوارئ، ولكن بالنتيجة، لم تؤت حالة التعبئة العامة ثمارها وثمة حاجة لمزيد من التشدد لضبط الوضع منعاً لانزلاق البلاد نحو الأسوأ.
كذلك الأمر بالنسبة إلى المطلعين على موقف “حزب الله” الذين يؤكدون أنّ عدم التزام الناس بحالات العزل الذاتي، هو الذي يدفع إلى الضغط لرفع مستوى التأهب الرسمي وعدم الاكتفاء بحالة التعبئة العامة داعين إلى عدم تحميل الأمور أكثر مما تحتمل، لأن رئيس الجمهورية هو الرئيس الأعلى للقوات المسلحة ورئيس المجلس الأعلى للدفاع الذي يشكل الجيش أحد مكوناته.
ويشيرون إلى أنّ حالة الطوارئ المطلوبة ليست مفتوحة المهل الزمنية وإنما محدودة بـ15 يوماً أو أكثر، ويمكن بعدها أن تعود الأمور الى طبيعتها بعد محاصرة الوباء. وبالتالي لا خشية من هذا الإجراء، ولا من تبعاته القانونية، ولا مكان للحسابات السياسية في هذا الوضع الاستثنائي.