كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
الظروف الإستثنائية التي تعيشها الإقتصاديات بسبب فيروس كورونا، وما يفرضه من تعطيل مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية يتطلب اتخاذ تدابير إستثنائية. المصرف المركزي الاميركي خفض الفوائد الى صفر في المئة، وأقر رزمة مساعدات تفوق 400 مليار دولار. بريطانيا بدورها أقدمت على دفع 2500 باوند لقسم كبير من العمال، الذين تعجز مؤسساتهم عن دفع أجورهم. ومثلهما فعلت المانيا وفرنسا وغيرها الكثير من الدول. لكن ماذا عن لبنان؟ وكيف من الممكن ان يُساعد بلد أشهر افلاسه، المؤسسات الخاصة على تخطي مثل هذه المحنة؟
في خطوة رحب بها رجال الاعمال واصحاب المؤسسات والعمال، أصدر مصرف لبنان تعميماً حمل الرقم 547، ينص على السماح للمصارف والمؤسسات المالية بان تمنح على مسؤوليتها الخاصة، قروضاً استثنائية بالليرة اللبنانية او بالدولار الاميركي بفائدة صفر في المئة ولمدة 5 سنوات. التعميم مخصص لعملاء المصارف الذين لا يستطيعون تسديد مستحقاتهم لأشهر (آذار، نيسان وأيار 2020) بسبب الاوضاع الراهنة. وتحديداً للذين منهم يستفيدون من قروض بكافة أنواعها، ممنوحة سابقاً من المصرف المعني او المؤسسة المالية المعنية، بما فيها التي تستفيد من دعم الدولة للفوائد المدينة من تخفيض الاحتياطي الالزامي مقابلها أو من أحكام المواد 9 مكرر و10 و11 و11 مكرر، من القرار الاساسي رقم 6116 تاريخ 7/3/1996. واشترط التعميم ان تكون القروض الاستثنائية ممنوحة للغايات التالية:
– تسديد أقساط القروض الممنوحة سابقاً والتي تستحق عن الاشهر الثلاثة المشار اليها اعلاه.
– دفع رواتب الموظفين والعاملين لدى العملاء المعنيين، او تغطية حاجات انتاجية او تشغيلية خلال الفترة المشار اليها اعلاه، وذلك في حال كان العميل مؤسسة او شركة.
– ان تمنح هذه القروض بغض النظر عن السقوف المحددة لكل عميل.
– ان تقوم المصارف بتسديد الرواتب مباشرة للموظفين وللعاملين لدى العملاء المعنيين وفقاً لجداول الرواتب التي يتم تزويدها به من قبل العملاء.
ماذا يعني هذا التعميم للقطاع الخاص؟
“هذا التعميم قد يكون بمثابة جرعة من الاوكسيجين للقطاع الخاص الذي يختنق بسبب هذه الظروف”، يقول رئيس تجمع رجال الاعمال اللبنانيين فؤاد رحمة. “إذ من شان هذا التعميم المساهمة في تدفق الأموال على الشركات والمؤسسات وحماية العمال من الصرف، والمحافظة بشكل أساسي على رواتبهم في واحدة من أدق المراحل التي يمر بها لبنان تاريخياً”.
أهمية هذا التعميم تكمن أيضاً في كونه لا يحصر استخدام القروض المدعومة بالأغراض الاستثمارية فقط، بل يسمح باستخدامها في المصاريف التشغيلية كشراء المواد الاولية، دفع فواتير بالإضافة طبعاً إلى الرواتب والأجور.
قضية انسانية
رحمة يذهب أبعد بكثير بأهداف هذا التعميم من الأغراض التجارية البحتة كالربح والخسارة، ليضعه في مرتبة القضايا الوطنية لا بل الإنسانية، كونه يساهم في المحافظة على شبكة الامان الإجتماعي، ويحد من نسب البطالة والفقر التي ستتعرض لها شرائح عريضة نتيجة تلاحق الأزمات.
التمتع ببعد نظر إنساني أولاً واقتصادي ثانياً قد يكون المفتاح الحقيقي لبوابة بناء لبنان المستقبل. “فماذا ينفع المصارف ومن خلفهم مصرف لبنان في حال تفليس القطاع الخاص نتيجة الازمة؟”، يسأل رحمة ليعود ويوجه مناشدة لجمعية مصارف لبنان بان “تضع هذا التعميم حيز التنفيذ بأسرع وقت ممكن”.
تمييع التعميم
في الوقت الذي نحن بأمس الحاجة فيه الى المحافظة على الديمومة والاستمرارية، يتخوف البعض من تمييع المصارف لهذا التعميم، ومقاربته فقط من زاوية الربح والخسارة، خصوصاً انه اختياري وليس اجبارياً. فقد نص في أحد بنوده على ضرورة تقدم المصارف الراغبة اعتبارا من 26/03/2020 وخلال مهلة أقصاها 31/5/2020 بطلبات موافقة اجمالية للقروض التي تمنحها عملاً باحكام هذه المادة، تحدد فيها المبالغ الاجمالية المنوي منحها، مرفقاً بها جدول باسماء العملاء المستفيدين من قيمة القروض الممنوحة لكل منهم وفقاً للأنموذج المرفق”.
في صالح المصارف
في الشكل العام يظهر وكأن هذا التعميم يصب بشكل حصري في مصلحة الشركات والمؤسسات التي ستعجز خلال أشهر آذار ونيسان وأيار عن دفع مستحقات وأجور عمالها، الا انه في المضمون يعتبر بحسب المستشار المالي غسان شماس “الخطوة الاولى نحو تخفيف القروض المتعثرة NON PERFORMING LOAN في المصارف”. وبالتالي يعتبر بالغ الأهمية بالنسبة للمصارف التجارية أيضاً.
التعميم الذي حصر القروض المدعومة الجديدة بثلاثة مواضيع اساسية، ركز على ضرورة أخذ العملاء قروضاً من اجل تسديد ديون متعثرة عليهم في المصرف نفسه وهو ما يعني “إعادة جدولة بفائدة صفر في المئة” يقول شماس.
في الوقت الذي يتيح فيه التعميم للمصارف التجارية اقراض العملاء بصفر في المئة فائدة سواء كانت بالليرة او الدولار يتقاضى المركزي الاموال المسددة من المصارف التجارية بالدولار بصفر فائدة أيضاً وهو ما يساهم في تعزيز احتياطه الالزامي بالدولار.
“التعميم الذي يفتح اليوم كوة في جدار الأزمة من المفروض ان يوسع دائرة بيكاره مستقبلاً ليشمل أيضاً قروض الأفراد المتعثرة ذات الآجال الطويلة والمدعومة من المركزي” يقول شماس.
التعويل الكبير على بدء تنفيذ هذه التدابير يقابل بصمت مريب من “جمعية المصارف” التي تعتبر جزءاً من هذا المجتمع وتتحمل بحسب رحمة “المسؤولية الأكبر في المحافظة على العقد الاجتماعي وصونه وحماية المجتمع”.