كتبت رلى ابراهيم في “الاخبار”:
بعد أسبوعين على الحجر المنزلي، ما زالت الحكومة اللبنانية تتجاهل الأزمة الاجتماعية ولم تجهد لوضع خطة طوارئ لمساعدة الأسر والمياومين الذين توقّفت مداخيلهم. لكنها عمدت منذ مدة قريبة الى فرض ضريبة جديدة ضمنياً على صفيحة البنزين مع انخفاض سعر برميل النفط عالمياً، فضلاً عن توقفها عن الإنفاق باستثناء الرواتب والاجور… فما الذي يمنعها اليوم من استخدام هذا الوفر لتوزيع الأموال على الأسر المحتاجة إلى الدعم؟
«ضحايا فيروس كورونا أقل بكثير من المفلسين بسببه»، القول هنا لأحد الخبراء الاقتصاديين. فالمؤكد أن فاتورة الفيروس على الصحة العامة يوازيها تعثر اقتصادي عالمي يلقي بثقله على مصالح ووظائف مليارات البشر. الفارق هنا أن الدول الغنية، وبعض الدول النامية، سارعت إلى اتخاذ إجراءات وإطلاق حزم مالية لدعم الاقتصاد ومساعدة العائلات والأفراد العاطلين من العمل بسبب الحجر المنزلي عبر تحرير شيكات مالية وقروض بفوائد متدنية للشركات. في المقابل، وبعد مضي أسبوعين على التزام غالبية اللبنانيين منازلهم، وأسبوع على إعلان التعبئة العامة التي ستستمر حتى 29 آذار، مع الحديث عن تمديدها، لم تبادر الحكومة اللبنانية إلى اتخاذ أي قرار لمعالجة وضع الموظفين والمياومين. وحتى الساعة، ليس في حوزة الدولة أي تصور جدّي أو خطة إغاثة لدعم الأسر، ما يطرح سؤالاً رئيسياً عمّا حال دون إيلاء الحكومة هذا الموضوع أولويتها منذ بداية الأزمة، وكيف لها أن تطلب ممن يجنون مدخولهم يوماً بيوم التوقف عن العمل في ظل عدم تأمينها لأي من احتياجاتهم. وهي اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما: إما تأمين مساعدات مالية وعينية بسرعة فائقة لدعم صمود العائلات في منازلها، أو عودة الحياة الى طبيعتها واللجوء الى استراتيجية «مناعة القطيع» التي حاولت بريطانيا اعتمادها قبل أن تبدّل خطتها.
يبدو أن جلسة الحكومة اليوم ستكون مخصّصة للبحث في كيفية المساعدة ونوعها وآليتها، من دون إقرار أي خطط للتنفيذ الفوري. فمسألة المساعدات «ليست سهلة»، على ما يقول وزير الاقتصاد راوول نعمة لـ«الأخبار» في ظل «افتقاد الدولة للمال». ولكن انخفاض سعر الفيول والفاتورة المستحقة علينا للخارج، الى جانب خفض الدولة لنفقاتها، يسمحان لها بتقديم مساعدات للسكان. على أن المشكلة الفعلية، وفقاً لنعمة، تكمن في «افتقادنا لداتا حقيقية تتيح لنا تحديد العمال المياومين من خارج القطاع العام، زد على ذلك أن الطلبات المقدمة الى وزارة الشؤون الاجتماعية، والتي تصل الى 140 ألف عائلة في قائمة الأسر الأكثر فقراً، غير كافية. فقد يصل عدد الأسر المحتاجة إلى مساعدة الى نحو 400 ألف عائلة».
في تغريدة له على «تويتر»، أول من أمس، أعلن وزير الشؤون الاجتماعية رمزي مشرفية أن «المساعدات الاجتماعية التي بدأ العمل عليها في الحكومة منذ أسبوع، ستكون في غضون أيّام قليلة قيد التوزيع على المواطنين المحتاجين، بالتعاون مع الوزارات المعنيّة والجيش اللبناني والبلديات والتنسيق معها». وبالفعل جرى توزيع بعض الحصص الغذائية في طرابلس أمس بواسطة الجيش. لكن كلام مشرفية يتعارض مع كلام وزير الاقتصاد القائل بعدم وجود أي خطة بعد، وكذلك مع كلام المدير العام لوزارة الشؤون القاضي عبد الله أحمد، إذ قال أحمد لـ«الأخبار» إنه أنجز مسودة خطة طوارئ لمساعدة من 100 الى 120 ألف أسرة محتاجة (قد لا تكون فقيرة إلا أن الأزمة مسّت بوضعها الاقتصادي)، وهي خطة تختلف عن تلك التي تدعم الأسر الأكثر فقراً، والتي تقتصر على نحو 43 ألف عائلة. هذه المسوّدة سيقدمها الى وزير الشؤون بغضون يومين في أقصى حدّ، «وتتضمن توزيع حصص غذائية بقيمة 10 مليارات ليرة شهرياً على هذه العائلات عبر اعتماد اللامركزية في التوزيع والاستعانة بالبلديات والمخاتير».
ما تقدّم يعني أن هذه الخطة لن تعرض على الحكومة اليوم. وحتى إن أقرت هذه الخطة في جلسة مجلس الوزراء الخميس المقبل، فإن تنفيذها وفقاً للمدير العام للشؤون «يحتاج الى 10 أيام حتى تتم المصادقة على اللوائح من عدة مصادر لتقليل هامش الخطأ والحرص على استفادة كل المحتاجين منها بالتوازي مع تأمين الحصص الغذائية والمتطوعين لتوزيعها». لماذا لا يتم اعتماد المساعدات المالية بدلاً من الغذائية؟ «إعطاء مساعدات مالية صعب من كل النواحي. المطلوب الاستجابة للشق المتعلق بالمواد الغذائية، ونحن كجهة معنية نعمد الى شرائها بكميات كبيرة وتوضيبها من قبل متطوعين، ما يخفف التكاليف ويسمح لنا بزيادة عدد الأسر. الأمر مختلف عن توجه الأسر بنفسها لشراء هذه المواد». من جهتها، تقوم الهيئة العليا للاغاثة بتوفير نحو 10 آلاف حصة غذائية لتوزيعها على العائلات، لكنها، وفق المصادر، لم تحدد آلية التوزيع بعد وفي أي مناطق. ويفترض أن يطرح الموضوع على طاولة لجنة إدارة الكوارث في السراي الحكومي اليوم. وتلفت المصادر الى أن «الخلاف الطائفي الذي اندلع بعد حديث وزير الصحة عن عزل منطقتين، يتجدد حالياً من خلال النقاش الدائر حول آلية توزيع الحصص ولمن وفي أي مناطق، فيما يدور خلاف آخر نتيجة ضغط بعض السياسيين باتجاه تولّي البلديات بمفردها هذا العمل، حتى يتاح لهم استخدامها انتخابياً ولمصالح خاصة».
أحد الخبراء الاقتصاديين يؤكد أن توقف لبنان عن سداد ديونه وخفض الدولة نفقاتها، ورغم انحسار إيراداتها الضريبية، «يوفران نفقات كثيرة تصل الى حدود 750 مليون دولار سنوياً. هذا الوفر يمكن أن يستفاد من جزء منه لتوزيع بطاقات ائتمان على نحو 300 ألف عائلة بميزانية 250$ شهرياً، ليختار الفرد بنفسه آلية صرف هذه الأموال. وهذه الطريقة لا تحث الفرد على ترك عمله والجلوس في المنزل، بل تكون مجرد محفز له وطريقة لمساعدته في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة». وقد يكون الحلّ أيضاً على شكل فرض ضرائب على أصحاب الثروات وكبار المودعين الذين استفادوا من تسهيلات الدولة وتترتب عليهم مسؤولية المساهمة في إنعاشها، واستخدام إيرادات هذه الضريبة لمساعدة الأسر المحتاجة إلى الدعم حالياً. لكن الامتناع عن تقديم أي مساعدات وعدم وضع مقومات صمود المواطنين في سلّة أولويات الحكومة يشيان بمشكلة فعلية في طريقة العمل. أما تبرير ما سبق بـ«إفلاس الدولة وشحّ مواردها»، فليس سوى استراتيجية أخرى لتبرير الفشل في وضع خطة اقتصادية اجتماعية، أو أصلاً غياب أي نية لذلك.
المستغرب هنا، أن دولة مفلسة دفعت ما يفوق 100 مليون دولار لشراء مبنى «تاتش» قبل أشهر، لكنها تشهر إفلاسها ما إن يتعلق الأمر بمساعدة المواطنين الذين لا يحظون بأي تأمينات صحية واجتماعية. هي الدولة نفسها التي تثقل كاهل المواطنين بفاتورة اتصالات من الأعلى في العالم، والتي قررت أخيراً فرض ضريبة إضافية على اللبنانيين عبر تثبيت سعر صفيحة البنزين رغم انخفاض سعر برميل النفط بشكل دراماتيكي. وما الذي يحول اليوم دون استخدام هذه الأموال لدفع الحدّ الأدنى للأجور، أي مبلغ 675 ليرة لبنانية، الى الـ400 ألف عائلة التي تحدّث عنها وزير الاقتصاد؟ مجموع مبلغ مماثل سيصل إلى 270 مليار ليرة شهرياً لا أكثر (180 مليون دولار)، لكنه يقي الأسر الأكثر حاجة شرّ الجوع. الفضيحة الكبرى، وفق أحد الاقتصاديين، أن الدولة «أنفقت ما بفوق 240 مليار دولار على مدى ربع قرن (نحو 40 في المئة منها خدمة دين عام) ليتبيّن أنها لم توفر أي شبكة أمان صحية ومالية واقتصادية واجتماعية في اللحظات الحاسمة، ولا اهتمت بإنشاء صندوق ضمان اجتماعي حقيقي أو ضمان بطالة. حتى أموال الصندوق البلدي المستقل التي يمكن أن توزع عائداته لمساعدة الأسر عبر حصص غذائية، تصرف نحو 50% من أمواله قبل أن تصل الى الصندوق». ذلك من دون التطرق الى أن ما تبقّى من أموال، على قلتها، كانت حتى يوم أول من أمس عالقة ولا تصل الى البلديات، قبل أن يعلن مكتب الشؤون الادارية البلدية والاختيارية المركزي في حركة أمل ومكتب العمل البلدي في حزب الله أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، وبعد تواصله مع وزيري الداخلية والبلديات والمالية، «تقرر البدء بدفع مستحقات البلديات من الصندوق البلدي المستقل اعتباراً من يوم الإثنين (أي أمس) اضافة الى السماح للبلديات والاتحادات البلدية بتقديم المساعدات والمساهمات حيث تدعو الحاجة». وقد بدأ بعض الاتحادات والبلديات، حتى قبيل تحرير أموالها، بتوزيع حصص غذائية، كذلك يفعل بعض الجمعيات والمؤسسات.
ضريبة على الودائع الكبرى
منذ تفجّر الأزمة المالية – النقدية – الاقتصادية في لبنان، يتحدث خبراء اقتصاديون عن قص الودائع (haicut)، الكبيرة منها خاصة، كأحد بنود خطة الخروج من الأزمة. هذه الودائع التي بُني جزء كبير منها عبر الاستفادة من التسهيلات المصرفية، يمكن تعريضها لضريبة على الثروة، ولو لمرة واحدة فقط. ومع مكوث غالبية الطبقة العاملة في المنازل جراء الحجر المنزلي، بات الحديث عن فرض ضريبة على أصحاب الودائع الكبيرة يأتي من بعض المصرفيين، على قلتهم. الرئيس التنفيذي لمجموعة «FFA Private Bank» جان رياشي توجه بتغريدة الى كل من رئيس الحكومة حسان دياب ووزيري المال غازي وزني والاقتصاد راوول نعمة، قائلا إن على الحكومة اللبنانيية أن تؤمن مساعدات مؤقتة للعائلات التي خسرت مدخولها بسبب أزمة كورونا. واقترح رياشي فرض ضريبة بنسبة 1% على الودائع التي تفوق المليون دولار، وهي طريقة سهلة وسريعة للتنفيذ ويمكن أن تجمع أكثر من 800 مليون دولار. واقترح أن يتم توزيعها على شكل كوبونات ليتاح للعائلات شراء المواد الغذائية والدواء، او ان تدفع للعائلات نقداً.