أن تملك السلطة التي ترعى قوننة السطو على أموال المواطنين جرأة مطالبتهم بـ”تقاسم الرغيف” لمواجهة التحديات فتلك الوقاحة بعينها، وأن تبادر هذه السلطة نفسها إلى الاستمرار بسياسة “تقاسم المغانم” والاستثمار بهموم الناس وانشغالهم بتفشي الوباء، لتمرير الصفقات بـ”قفازات” الكورونا فتلك لا يصح فيها سوى “اللي استحوا ماتوا”. وليست تغريدة رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية سوى “رأس جليد” المعلومات المتواترة والمتوافرة عن بازار مفتوح بين أهل الحكم، على أرضية “هذا لي وهذا لك” في التعيينات المزمع إقرارها في مجلس الوزراء. ففرنجية الذي انضم إلى نادي المنادين بإعلان “حالة الطوارئ”، فجّر بالأمس فضيحة مدوية بوجه الحكومة بلغت حد التلويح بإمكانية إعادة درس مشاركة “المردة” فيها، على خلفية ما وثّقه وكشفه بوصفه الأدرى بشعاب ما يُطبخ في الكواليس الحكومية من “استغلال لانتشار فيروس كورونا لتهريب التعيينات وتمرير الصفقات”.
وفي هذا الإطار، تتقاطع المعطيات المتوافرة لـ”نداء الوطن” حول التأكيد على كون “معركة التعيينات” احتدمت خلال الأيام الأخيرة بين جبهتين، إحداهما يقودها “التيار الوطني الحر” بالتكافل والتضامن مع رئيس الحكومة حسان دياب، بينما الجبهة الثانية عبّر عنها رئيس “المردة” بإسناد مباشر وغير مباشر من رئيس المجلس النيابي نبيه بري، لا سيما في ما خصّ سلة التعيينات المتعلقة بالمصرف المركزي ومفوض الحكومة وهيئة الرقابة على المصارف.
وتوضح مصادر مواكبة لهذا الملف لـ”نداء الوطن” أنّ بري وفرنجية يستشعران “طبخة ما” يتمّ التحضير لها للإطاحة بأسماء معينة محسوبة على فريق معيّن، مقابل الإبقاء على أسماء محسوبة على فريق آخر أو الإتيان بأسماء “مموّهة” موالية لهذا الفريق أو ذاك في تعيينات المصرف المركزي، وعلى هذا الأساس تصاعد منسوب التشنّج والحساسية بين عين التينة والسراي الحكومي، ربطاً بإصرار دياب على إقصاء رائد شرف الدين من نيابة الحاكم، وأحمد صفا من لجنة الرقابة على المصارف، مقابل رفض بري مبدأ الاستنسابية في مقاربة التعيينات والتمسك بقاعدة “كلن يعني كلن”، بمعنى إما التغيير الشامل أو إبقاء القديم على قدمه من دون استثناءات.
وتحت وطأة هذا الخلاف، لفتت المصادر الانتباه إلى أنّ النبرة العالية التي استخدمها رئيس مجلس النواب في التصدي لمشروع الكابيتال كونترول خلال الأيام الأخيرة ليست بمنأى عن كباش التعيينات، مشيرةً إلى أنّ بري سرعان ما ردّ على دياب بفرملة البحث على طاولة الحكومة أمس في هذا المشروع، وصولاً إلى استخدام سلاح صلاحية وزير المال غازي وزني في طلب سحبه، بذريعة “عدم جهوزيته بعد لعرضه والحاجة إلى إدخال بعض التعديلات عليه”. وكشفت المصادر أنّ وزير المال يعارض رغبة رئيس الحكومة بتغيير كل نواب حاكم المصرف المركزي، ويتأنى بتحديد موقفه الواضح في هذا المجال، لا سيما وأنه كان قد طُلب منه تقديم 3 سير ذاتية جديدة عن كل منصب للأشخاص المرشحين لتولي هذا المنصب تمهيداً لاختيار الأكثر كفاءة بينهم.
وتوازياً، لمست المصادر بوادر التحضير لتكوين “لوبي” نيابي ضاغط على رئيس الحكومة لن يكون بعيداً عن عدة شغل المعركة الدائرة حول التعيينات، تحت عناوين وشعارات تحاكي ضرورة تقديم الدعم الاجتماعي والمالي للمواطنين في خضم تحديات المرحلة، بحيث نقلت أجواء نيابية تؤكد الاتجاه إلى الطلب من الحكومة تحضير مشاريع ومراسيم خاصة بإعفاء المواطنين من الرسوم والضرائب لفترة زمنية محددة، والإسراع في إحالتها إلى المجلس النيابي كي يصار إلى إقرارها وإلا فإنّ المجلس سيعمد إلى إقرار التشريعات المطلوبة لتحقيق هذا الهدف، باعتبار أنّ بري يرى أنّ الهم الصحي والاجتماعي والمالي لا بد وأن يتقدّم راهناً على سلم الأولويات وليس “الكابيتال كونترول” الذي سيزيد معاناة الناس ويعمّق أزماتهم.