يمكن أن نقول إن حكومة حسان دياب سيئة الحظ وكان من «سوء الطالع» لها أن تداهمها أزمة ««كورونا» التي أربكت دولا كثيرة وحكومات تمتلك إمكانات هائلة، فكان أن تضافرت الأزمة المالية الخانقة مع أزمة صحية مستجدة، وحصل هذا المزيج الخطير بين أزمتين وضعتا الحكومة والدولة في حال عجز، والبلد والوضع في حال كارثية.. ويمكن أن نقول أيضا إن هذه الحكومة «حظها جيد» وجاءتها المساعدة من حيث لا تتوقع ولم تخطط. ومن «إيجابيات» أزمة «كورونا» ونتائجها على الحكومة أنها:
– أطفأت نهائيا كل حركة الشارع ومظاهر الضغوط والاحتجاجات الشعبية.
– أوقفت التصعيد السياسي في وجه الحكومة من جانب قوى وأحزاب المعارضة الجديدة التي اضطرت الى تجميد كل حركتها وأنشطتها ومواقفها، وحيث لا صوت حاليا يعلو على صوت معركة «كورونا».
– أعطت الحكومة شرعية واقعية تعوض الشرعية الشعبية التي لم تحصل عليها والشرعية السياسية التي حصلت عليها بشكل جزئي، فهذه الأزمة تمد الحكومة بسلطة أكبر وصلاحيات «أمر واقع»، وقد أصبحت السراي الحكومي هي مركز ومحور الحركة والقرار في هذه المرحلة.
– حولت الأنظار عن الأزمة الاقتصادية المالية المصرفية، وحدت من الضغوط في هذا المجال.
– عززت صوابية القرار الذي اتخذته بالتوقف عن دفع الدين والسندات الدولية، في ظل وضع دولي استثنائي خلطت فيه كل أوراق الديون والأسواق.
– خففت على الحكومة الفاتورة النفطية وفاتورة الكهرباء نتيجة الهبوط الحاد في أسعار النفط العالمية، وخففت فاتورة الاستيراد من الخارج بشكل ملموس، ما سيحد لاحقا من فجوة العجز في ميزان المدفوعات.
هذا في «لغة الحظ والإفادة»، أما في لغة الأداء وطريقة إدارة الأزمة، فإن التقييم جاء متفاوتا ومختلفا تبعا لاختلاف مصادره السياسية. ولكن بالإجمال خلصت الآراء الى هذه النتيجة:
١- نجحت الحكومة حتى الآن في «اختبار كورونا». وبمعزل عن موالين ومعارضين، هذا رأي يسود في معسكر «الواقعيين» الذي يعتبر أن هناك حكومة تجتمع وتقرر، والوضع كان ليكون أسوأ بكثير لو كنا في ظل حكومة تصريف أعمال، وأن هذه الحكومة تعمل بجد وتماسك وواعية لمسؤوليتها، واختارت التدرج في الإجراءات التي لم تتأخر في اتخاذها، وقرارها بإقفال المدارس وكل شيء، والحدود والمطار سبق العديد من دول العالم ممن فتك بها الفيروس. وباختصار، فعلت الحكومة ما يمكن لها أن تفعله وما هو في متناول يديها وقدراتها المتواضعة، واستحوذت أحيانا على تقدير وإعجاب منظمات دولية على الطريقة التي أدارت بها أزمة «كورونا».
وبعكس كل ما تم الترويج له عن تلكؤ الحكومة اللبنانية في التعامل مع أزمة «كورونا» واتهامها بالتقصير وباتخاذ تدابير هزيلة، جاء تقييم معهد الصحة العالمية في الجامعة الأميركية في بيروت ليتحدث عن أن لبنان قام بما هو أفضل بكثير من الدول الأخرى في احتواء الوباء.
٢- خارج نطاق ملف «كورونا»، التقييم متحفظ ويميل الى السلبية، استنادا الى الطريقة التي تدير بها الحكومة الملفات الاقتصادية والمالية والأمنية، وما تتصف به من ارتباك وتردد وتناقض أحيانا:
– على المستوى الاقتصادي، شهران من الاجتماعات الوزارية المفتوحة واللجان والجهود لم تفض حتى الآن الى إخراج خطة اقتصادية تتسلح بها الحكومة لمواجهة الدائنين أو لتقديمها الى صندوق النقد الدولي طلبا للدعم المالي.
– عادت التدخلات السياسية تطل برأسها، ووقعت حكومة التكنوقراط والاختصاصيين تحت تأثيرات ذلك في ملفات عدة، مثل التشكيلات القضائية وخطة الكهرباء التي تستمر فيها «القطبة المخفية»، ومشروع الـ«كابيتال كونترول»، وتعيينات حاكمية مصرف لبنان، إذ لاتزال العقد المحيطة بتعيينات نواب الحاكم والموروثة من الحكومة السابقة تلقي بظلها على حكومة دياب. وحتى الآن، لم تعط الحكومة إشارة حاسمة وجدية على صعيد الإصلاحات التي ينتظرها المجتمع الدولي ويشترطها لتقديم المساعدات.
– على صعيد الملفات الأمنية الساخنة، وإضافة الى هجمات استهدفت الجيش في البقاع الشمالي والهرمل خصوصا، جاءت مسألة الإفراج عن العميل عامر الفاخوري لتكشف عن بلبلة وتعارض حتى داخل الفريق الحكومي الواحد. وبعد ذلك جاءت حادثة مقتل أنطوان الحايك في المية ومية التي جرى التعامل معها كـ «جريمة سياسية» لتنال من مصداقية الدولة الأمنية طالما لم يتم اكتشاف من نفذها.