كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
من المستغرب أن تتحوّل الدعوة إلى إعلان حالة الطوارئ لمواجهة فيروس كورونا، أو الحد من انتشاره إلى مادة سجالية عند القوى السياسية، في الوقت الذي تؤكد فيه كل المعطيات أن رقعة انتشار هذا الوباء قابلة للتوسع مع قابل الأيام في ظل مخاوف كبيرة من الوصول إلى مرحلة لا يعود باستطاعة الدولة اللبنانية بمختلف أجهزتها ومؤسساتها التعامل مع الحالات التي من الممكن أن يصيبها هذا الفيروس.
يبدو أن البعض ما زال يتعاطى بخفة وعدم مبالاة مع فيروس كورونا ويتعامل مع هذه الأزمة على أنها وباء عادي من الممكن السيطرة عليه بالطرق المتبعة حالياً إن على مستوى المستشفيات أو إعادة النظر بالعادات الاجتماعية والتجاوب مع حالة التعبئة التي أعلنتها الحكومة، من دون الالتفات إلى ما يجري من مصائب في دول كبيرة ومتقدمة حيث تقف هذه الدول عاجزة عن مواجهة هذا الوباء. وذهب بعض الساسة في إيطاليا وغيرها لتسليم أمرهم إلى الله بعد أن استنفذت كل الوسائل في مواجهه هذا الوباء. ويبدو أن البعض يرفض اتخاذ بعض الإجراءات من دون أن يكون على علم وافٍ بماهية هذه الإجراءات والنتائج التي ستفضي إليها، ويتعاطى هؤلاء مع مثل هذه الاقتراحات من بعد سياسي لا صحي أو اجتماعي وهو ما يبعث على الخوف من أن نفقد المقومات التي لدينا في التعامل مع هذا الوباء.
وحيال هذا الواقع لا بدّ من الاضاءة على ما يُقصد به بحالة الطوارئ والإيجابيات التي يُمكن أن تتأتى عنها في مثل الحالة التي يعيشها لبنان حالياً.
معلومات مقلقة عند برّي ترفع من منسوب مطالبته بإعلان الطوارئ وتقديم الخدمات للناس
إن المادة الأولى من المرسوم الاشتراعي 52 الصادر في الخامس من آب في العام 1967، حددت الأسباب الموجبة التي تؤدي إلى إعلان حالة الطوارئ أو المنطقة العسكرية، عند تعرض البلاد لخطر داهم ناتج عن حرب خارجية أو ثورة مسلحة أو أعمال أو اضطرابات تُهدّد النظام العام والأمن، أو عند وقوع أحداث تأخذ طابع الكارثة.
مع الاشارة إلى أنه فور إعلان حالة الطوارئ تتولى بحسب المادة الثالثة من المرسوم نفسه السلطة العسكرية العليا صلاحية المحافظة على الأمن، وتوضع تحت تصرفها جميع القوى السياسية. في حين أكدت المادة 65 من الدستور على أن إعلان حالة الطوارئ من المواضيع الأساسية التي تحتاج إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس الوزراء، وطالما ان المجلس يعقد اجتماعات متلاحقة (جلستان في الاسبوع) فإنه يستطيع أخذ مثل هكذا قرار إذا كان التوافق قائماً على مبدأ إعلان الطوارئ.
أما المادة الثانية من المرسوم الاشتراعي 52 الصادر في العام 1967 فإنه يلفت إلى أنه على مجلس النواب الانعقاد للنظر في قرار إعلان حالة الطوارئ في مهلة ثمانية أيام، حتى ولو لم يكن في دور الانعقاد للموافقة عليه، وفي الحالة الراهنة وان كان من الصعب التئام مجلس النواب في مقره في ساحة النجمة، فإنه من الممكن الانعقاد بواسطة «الفيديو كونفرنسنغ» صوت وصورة واتخاذ القرار كوننا نمر بمرحلة استثنائية حيث الضرورات تبيح المحظورات، ومثل هذا الأمر تمّ الأخذ فيه في الكثير من الدول التي تمر بأزمات مشابهة، حتى أن نواب بيروت أمس الأوّل أجروا اتصالاً جماعياً عبر الهاتف الخليوي بالصوت والصورة وطالبوا بعقد جلسة تشريعية لمواكبة المرحلة المقبلة في دلالة واضحة، انه بالإمكان، ولبنان لديه تقنيات عالية في الاتصالات، أن يعقد المجلس جلسة سريعة عبر السكايب لاتخاذ قراره ولو لم يكن باستطاعة المجلس أخذ دوره بمعزل عمّا يجري لما كان للرئيس نبيه برّي الدستوري من الطراز الأول أن يطلب من رئيس الحكومة حسان دياب مع نهاية الأسبوع الفائت أخذ قرار بإعلان حالة الطوارئ، بعد أن استشعر بأن الوضع لم يعد يحتمل، لا بل إن الرئيس برّي أبدى استغراباً شديداً أمام زواره من التباطؤ الحاصل في الاقدام على مثل هكذا خطوة لتجنيب البلاد والعباد المزيد من المخاطر.
ويلتقي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط مع رغبة الرئيس برّي حيث ما برح ينادي في أكثر من تصريح له بإعلان حالة الطوارئ مع «تنظيم حاجات المواطن الاساسية»، ومثل هذه الدعوة تؤيدها أكثرية لا بأس بها من النواب، وهو ما يطرح السؤال حول المانع الذي يحول دون اتخاذ مثل هكذا خطوة بغض النظر عما يُمكن أن تولده من تداعيات، والعمل بها على قاعدة «ما الذي حببك بالمر قال الأمر»، فعندما تكون حياة غالبية اللبنانيين في دائرة الخطر، فإن الغاية عند ذلك تبرر الوسيلة، وان كانت غالبية من اللبنانييين الذين يعتاشون بشكل يومي سيتأثرون بمثل هكذا خطوة، لأن الدولة بحالتها الراهنة لا تستطيع التعويض على هؤلاء على غرار الدول الأخرى التي وعدت مواطنيها بالتعويض وهي رصدت مليارات الدولارات لتغطية هذا الموضوع، فعلى سبيل المثال فإن رئيس وزراء إيطاليا أعلن انه «اذا لم ينخفض عدد الاصابات بكورونا فسوف نقوم بفرض الحجر الصحي العام ونغلق البلاد نهائياً ونقوم بتوقيف العمل في الشركات والمعامل والمصانع وسوف تصرف أجور العمال والموظفين من صندوق الدولة، وسوف نلغي فواتير المياه والكهرباء».
وأضاف: لكن يجب على إيطاليا أن تضحي من أجل شعبها.. ففي الحروب السابقة كان الشعب الإيطالي يموت لكي تحيا إيطاليا، أما في هذه الحرب فسوف تموت إيطاليا لكي يحيا الشعب.
صحيح أن الحكومة التي تعقد اجتماعات متلاحقة مخصصة لغاية كيفية مواجهة هذا الوباء لا تستطيع التعويض المالي على شاكلة الدول التي تعيش حالات طبيعية على المستويين المالي والاقتصادي، وهي أي الحكومة اتخذت خطوات احترازية سبقت غيرها من الدول المتقدمة في حرب المواجهة لهذا الوباء، فإنها تستطيع اتخاذ الحد الأدنى من الإجراءات التي تضاف إلى إعلان حالة التعبئة لناحية التشدد في تنفيذ قرار مجلس الوزراء وعدم التهاون مع المخلين بالاجراءات، حيث شاهدنا بالأمس عبر شاشات التلفزة عدم الالتزام بأكثر من منطقة. فلتكن الإجراءات صارمة وحاسمة دون الأخذ بأية اعتبارات، ووضع صحة المواطن ومصلحة البلد أولوية في هذه المرحلة العصيبة، خصوصاً وأن المعطيات كلها تؤكد بأن لا مجال لانحسار هذا الوباء قبل نهاية نيسان المقبل وربما أيار.