أكد وزير الشؤون الاجتماعية السابق الدكتور ريشار قيومجيان أن الدولة قادرة إن قررت على تأمين حاجات المواطنين بشكل فوري من المواد الأساسية والغذائية ليلتزموا منازلهم مع ارتفاع معدلات الفقر بشكل غير مسبوق، معتبراً أن لدينا في وزارة الشؤون الاجتماعية “برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً” المشترك مع رئاسة مجلس الوزراء، والذي يغطي اليوم حوالى 15000 أسرة لبنانية، من إجمالي 44.000 عائلة يشملها البرنامج، ببطاقة غذاء إلكترونية أو (بطاقة حياة)، تتكون من 27 دولاراً للفرد في الشهر حتى 6 أفراد لكل أسرة، تدفع عن طريق البطاقة الإلكترونية وتستخدم فقط في السوبر ماركت المتعاقد مع برنامج الأغذية العالمي. أما الباقون فلم يتوفر التمويل الكافي لمنحهم بطاقة الغذاء.
وفي حديث الى موقع “القوات اللبنانية” الإلكتروني، قال: “عملنا على إيجاد حل لهذه المشكلة وتغطية العجز حين كنا نتولى وزارة الشؤون. وبدأنا مفاوضات مع البنك الدولي، في أيلول الماضي، وأكملت فيها إلى حين مغادرتي الوزارة بعد استقالة الحكومة. والبنك الدولي أعرب عن استعداده لمنحنا قرضاً طويل الأمد وبفائدة ميسّرة شبه رمزية، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية التي بدأت تتصاعد”.
كما كشف قيومجيان عن أن مئات ملايين الدولارات كانت ستؤمَّن من البنك الدولي، ما بين 300 إلى 500 مليون دولار، لتمويل برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً حين نقع في الأزمة. اردف: “المباحثات التي كنا نجريها مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تمحورت حول ضرورة الاستعداد وتحضير شبكة أمان اجتماعي، لأننا سنصل إلى أزمة مالية واقتصادية ستكون لها انعكاسات اجتماعية ومعيشية كبرى، كما كان واضحاً بالنسبة إلينا”.
وأضاف: “المفاوضات كانت مستمرة منذ أيلول، وقبل ثورة 17 تشرين، وأكملتها بعد استقالة الحكومة حتى اللحظة الأخيرة لتركي الوزارة. وقد أظهر البنك الدولي استعداده لتمويل البرنامج. علماً أن بطاقة الغذاء الحالية للـ15 ألف أسرة، ممولة من الاتحاد الأوروبي والحكومة الألمانية وبرنامج الأغذية العالمي للأمم المتحدة”.
وشدد قيومجيان على أن هؤلاء مستنفرون اليوم لمساعدة وزارة الشؤون الاجتماعية والدولة اللبنانية لمواجهة الأزمة المعيشية، مثنياً على حملات التبرعات المشكورة من أينما أتت، وهي قد تفي جزئياً بسد عوز بعض العائلات. لكنه اشار إلى أنها لن تفي بما هو مطلوب نسبة الى عدد سكان لبنان وعلى المستوى الوطني الشامل. تابع: “الفقر تضاعف مع أزمة كورونا وتخطى 50% وربما وصل إلى 60% من الشعب اللبناني، خصوصاً مع ازدياد البطالة وتوقف العمل وإقفال المؤسسات والشركات. ويبقى على الدولة أن تحسم أمرها. توقعنا قبل كورونا ثورة وفوضى اجتماعية لأن الجوع لا يرحم، فكم بالحري اليوم. بالتالي الآن دور الدولة التي عليها الاستعانة بالمؤسسات الدولية المانحة، سواء على شكل قروض أو هبات أو أي شيء، فالمهم ألا يجوع شعبنا”.
كذلك، حذر من أننا يجب أن نتصرف بسرعة، مضيفاً: “ما قبل أزمة كورونا كنت مطمئناً إلى أننا لن نصل إلى الجوع مهما اشتدت الأزمة المالية والاقتصادية والمعيشية، لأن برنامج الأغذية العالمي أكد لي يوم كنت وزيراً للشؤون أن هناك عشرات آلاف الحصص الغذائية الجاهزة التي يمكنه تحريكها فوراً إلى لبنان عند الحاجة. لكن اليوم هناك بلدان كثيرة حولنا بحاجة للمساعدة في ظل أزمة كورونا المستجدة، مثلاً في العراق وسوريا والفلسطينيين وربما الأردن التي ربما تحتاج إلى هذه الحصص الغذائية، ولم تعد مضمونة حكماً للبنان فقط. وبالتالي نحن بحاجة إلى التحرك قبل فوات الأوان بكافة الطرق (حصص غذائية، أموال، قروض، هبات) أيا كان، يجب أن نؤمِّن أن شعبنا لن يجوع”.
يرى وزير الشؤون الاجتماعية السابق، أن خطة الحكومة غير واضحة، مذكراً انه طالب مراراً بخطة كاملة شاملة لمواجهة كورونا، لا تأمين أسرّة في المستشفيات وإجراء الفحوصات المخبرية أو إقامة منع تجول فقط.
وأضاف: “يجب اعتماد استراتيجية عامة حول كيفية مواجهة البطالة والجوع والتعويض على الناس وتأمين طبابتهم وغيرها. لذلك طالبت منذ اليوم الأول بتشكيل خلية أزمة ليعرف الجميع من هو المرجع، ومن يقود عملية مواجهة هذا الوباء بكافة مندرجاتها”.
كما شدد على أن جزءاً من المواجهة، على سبيل المثال، هو تأمين المستلزمات الأساسية والطعام لعائلات العمال المياومين، واردف: “المياوم سيلتزم منزله هذه الفترة على الأرجح إن اطمأن إلى تأمين لقمة العيش لعائلته، ما يساعدنا على ضبط أزمة كورونا. صحيح أن الدولة ربما غير قادرة على تأمين أموال نقداً للعمال المياومين وللّذين خسروا وظائفهم كما في دول أخرى، لكن بإمكانها على الأقل تأمين قوتهم اليومي وعائلاتهم”.
كذلك استغرب قيومجيان هذا التلكؤ الحاصل، مضيفاً: “أما في حال عدم جهوزية وزارة الشؤون بفعل عراقيل إدارية معينة، فآمل أن يتخطوها. إن كانت غير قادرة لوحدها، لكن يمكنها الاستعانة بالمنظمات غير الحكومية والجمعيات الأهلية والبلديات، وأن تقوم بتنظيم هذه العملية بتوجهيات رئيس الحكومة. علماً أن هناك نحو 400 موظف على مستوى لبنان ضمن برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً، ما يعني أننا قادرون على التحرك وفعل شيء ما”.
وتابع: “لكنني لم ألمس حتى اليوم خطة حكومية واضحة حول هذا الموضوع، توضح للناس برنامج العمل وما سيتم فعله للمواجهة وتخطي الأزمة قبل تفلت الوضع وخروجه عن السيطرة. وأستغرب ذلك، إذ إن البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والدول الصديقة والمانحة، كلهم كانوا جاهزين لتقديم الأموال المطلوبة، كما أكدوا لي على مدى سلسلة الاجتماعات التي عقدتها معهم”، مؤكداً أن “الأموال لا تزال موجودة للبنان، لكن على الدولة اتخاذ قرار سريع ووضع خطة شاملة فوراً والتحرك بسرعة قبل فوات الأوان، وعدم التباطؤ فيما الأزمة تسبقنا بأشواط”.