Site icon IMLebanon

عندما لوّح وزير بالاستقالة!

كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:

برزت على هامش أزمة “كورونا” مساهمة عدد من السياسيين بتقديم تبرعات مالية الى جهات صحية واجتماعية لدعم أنشطتها في مواجهة الفيروس، وهو الأمر الذي قوبِل بردود فعل متفاوتة.

على الرغم من أزمة الثقة العميقة والمُستفحلة بين الطبقة السياسية وشريحة واسعة من اللبنانيين، والتي انفجرت بقوة في 17 تشرين الأول، الّا انّ هناك مَن اعتبر انّ مرحلة التصدي لوباء كورونا هي مرحلة استثنائية بكل المعايير، تتطلّب إعادة ترتيب الاولويات وحشد كل الطاقات لعبور هذا الاختبار الدقيق بأقل الخسائر الممكنة.

وعلى أساس هذه القاعدة، لم يجد أصحاب “المقاربة الواقعية” حرجاً في تَقبّل ظاهرة التبرعات المالية الممنوحة من شخصيات سياسية، كان لها صولات وجولات في السلطة قبل 17 تشرين الأول، ما دام انّ هذه المساعدة تصبّ في خانة رفع مستوى الجهوزية ضد فيروس كورونا الذي بات يشكّل حالياً الخطر الصحي الأبرز، وبالتالي يأتي في صدارة التهديدات المُحدقة بلبنان كما بمعظم أنحاء العالم.

وبناء على هذا “التحدي المصيري” يشدّد هؤلاء على انّ الوقت ليس مناسباً الآن لاتخاذ مواقف رومانسية تنطلق من قاعدة انّ السياسيين هم فاسدون ومرتكبون، ولا يصحّ قبول تبرّعات منهم ومنحهم براءة ذمّة مجانية على ما فعلوه خلال عقود من تَحكّمهم بالسلطة.

ويفترض “البراغماتيّون” في التعاطي مع ظاهرة تبرّع السياسيين انّ “من غير الواقعي في هذا التوقيت الحرج رفض مساعدات مالية هي أكثر من ضرورية لمواجهة كورونا، فقط لأنّ مصدرها رؤساء أحزاب او نواب او غيرهم من الشخصيات المتهمة بالمشاركة في تَقاسم مغانم الدولة، خصوصاً انّ تَصحّر خزينة الدولة يؤدي إلى تضييق الخيارات ولا يترك مجالاً واسعاً لفرز المتبرّعين وفق مقاييس صارمة”.

واستطراداً، يرى المنفتحون على كل أشكال الدعم انه “اذا كان مواطنون عاديون من ذوي الدخل المحدود قد اندفعوا تلقائيّاً، وباللحم الحي، الى مؤازرة القطاع الطبي والاشخاص الأشد فقراً، فإنّ من الأولى ان يساهم المقتدرون، ممّن يتعاطون الشأن العام، في تأدية هذا الواجب وتأمين ما أمكَن من الشروط الضرورية لزيادة منسوب القدرة على مواجهة الوباء ومفاعيله، وهذا يجب أن يكون أضعف الإيمان”

ويشير أصحاب هذا الرأي أنّ واحداً من المطالب الأساسية للانتفاضة الشعبية كان، ولا يزال، استعادة المال المنهوب او المهدور. وبالتالي، لا بأس في إدراج مبادرات السياسيين ضمن هذا السياق، “ولو انّ ما قدّموه حتى الآن في المعركة ضد الفيروس المتمدّد لا يُقاس طبعاً بما جنوه من صرف النفوذ”.

في المقابل، هناك من يتحسّس كثيراً إزاء المبادرات المالية للسياسيين، ولا يجد فيها سوى نوع من الاستعراض الذي يُراد منه التغطية على ارتكاباتهم.

وينبّه المُرتابون في النيّات الى انّ بعض القوى السياسية تحاول انتهاز اللحظة الراهنة وتحويل التهديد إلى فرصة، في محاولة منها للعودة القوية “come back”، بعد التراجع الكبير في دورها عقب انطلاق الانتفاضة الشعبية التي دَشّنت حقبة جديدة في لبنان.

ويتهم المقتنعون بهذا الرأي أصحاب “التبرعات المريبة” بأنّ هدفهم المُضمر منها هو السعي الى تلميع صورتهم وتنظيف سجلاتهم، “في حين انّ ما قدموه لا يشكّل سوى عَيّنة رمزية مماّ جَنوه خلال عقود متمادية من الفساد والهدر”.

أكثر من ذلك، تلاحظ اوساط مؤيدة للحكومة الحالية انّ أزمة كورونا، على خطورتها وجسامتها، إنما خدمت الطبقة السياسية، “بعدما تسبّب الفيروس في تعطيل الانتفاضة الشعبية التي سيمرّ وقت طويل قبل أن تستأنف نشاطها، الأمر الذي سمح لمَن كانوا في موضع الاتهام والمساءلة بأن يلتقطوا أنفاسهم ويرمّموا صفوفهم”.

وتشير الاوساط إيّاها انّ حاكم البنك المركزي رياض سلامة ظَهر، من خلال التعميم الاخير المتعلق بالقروض، “مُنافساً” في السباق على تجميل الصورة وانتزاع حكم مخفّف من الرأي العام، بعدما كان السياسيون قد حاولوا تحميله، مع القطاع المصرفي، كل تَبِعات المرحلة السابقة وموبقاتها، وإلباسهما ثوب الازمة الاقتصادية المتفاقمة، مشيرة انّ سلامة بَدا كأنه يبلّغ الى من يهمه الأمر بأنه لن يقبل باستخدامه كبش محرقة، وبأنه اذا كان السياسيون يقدّمون تبرّعات لكسب رضى الناس فهو بدوره قادر على إصدار التعاميم التي تريحهم في هذه الظروف الصعبة، من نوع منح قروض بفائدة صفر في المئة.

وتلفت الاوساط إلى أنّ حكومة التكنوقراط تتولى بالنيابة عن الطبقة السياسية تنفيذ “العمل الوَسخ” المؤجّل والاضطراري، كما فعلت عبر التخلّف عن دفع سندات اليوروبوندز، وذلك للتخفيف من وطأة “التركة الثقيلة” التي ورثتها عن الحكومات المتعاقبة، ولَجم تداعياتها على الاقتصاد الذي يترنّح تحت ضغط ديون ضخمة تراكمت تِباعاً، نتيجة الخيارات السيئة للذين أمسكوا بدفّة الحقبة السابقة.

وتتهم تلك الاوساط أفرقاء سياسيين بأنهم لا يتمنّون لحكومة التكنوقراط أن تنجح، لأنّ نجاحها سيكون تكريساً لإخفاقهم وتثبيتاً للبديل عنهم، وإنما يريدون منها ان تتخذ القرارات الصعبة التي لم يمتلكوا الجرأة على اعتمادها، ليعودوا لاحقاً إلى الإمساك بالسلطة بعد أن يكونوا قد جددوا خلاياهم وخضعوا الى نوع من “الأبديت”.

وضمن سياق متصل، علم انّ وزيراً حالياً يشغل حقيبة أساسية (غير الصحة) كان قد لوّح أمام مقرّبين منه باحتمال الاستقالة، نتيجة “اتهامات باطلة وحملات مُجحفة” يتعرض لها، وهو أبلغَ مرة إلى إحدى الشخصيات بأنه في صدد مراجعة وضعه وحساباته، وبأنه لو عرف مسبقاً ماذا ينتظره ما كان أصلاً ليقبل بالمهمة.

وينقل عن هذا الوزير تأكيده في مجالسه الخاصة انتماءه الكامل إلى نسيج التكنوقراط وعدم علاقته بالسياسة وزواريبها الضيّقة، مشدداً على مقاربته للملفات من زاوية تقنية فقط، ومُبدياً تذمّره من كون “البعض يُصرّ في المقابل على أن يتعامل معه ربطاً بالمصالح او الحسابات السياسية”.

ويبدو انّ الوزير المعني عدل لاحقاً عن خيار قلب الطاولة، وقرر تحمّل أكلاف الدور الذي يؤديه، أقله حتى إشعار آخر.