كتب ثائر عباس في “الشرق الأوسط”:
أطاح وباء كورونا بـ«روتين» القيادات السياسية، بعدما اضطروا لإجراء تعديلات جذرية على برامجهم اليومية؛ خصوصاً أن اعتزالهم عن الناس غاية في الصعوبة، بسبب متطلبات الموقع السياسي والتنفيذي في بعض الحالات. ولعل الإجراءات الأكثر تشدداً هي تلك التي يعتمدها القصر الجمهوري الذي بات يعمل حالياً بربع موظفيه، بعد أن استُبعد الموظفون غير الضروريين، أو تمت المداورة في الدوام بين الباقين.
الداخل إلى القصر الجمهوري يتم قياس حرارته، وتعقيم كل ما يحمله من أوراق وأجهزة هاتف وكومبيوتر وغيرها. كما يتم تعقيم البريد الداخل إلى القصر قبل تسليمه لأصحابه. ويتم التعقيم مرتين في اليوم، ويفرض على الجميع ارتداء الكمامات، فيما تم حصر حركة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بمناطق محددة من القصر، ويرتدي الرئيس كمامة ويضع كفوفاً بيديه يتم تغييرها بشكل منتظم.
وتم الاستغناء عن معظم المواعيد، بحيث أُبقي على المواعيد الطارئة وعلى جلسات مجلس الوزراء التي يترأسها رئيس الجمهورية، مع زيادة ملحوظة في المسافة بين الوزراء، فيما تم تقييد الزيارات العائلية للمقيمين خارج القصر من بنات رئيس الجمهورية وأحفاده.
وافتقد الصحافيون والأصدقاء الذين كانوا يتجمعون كل يوم في قاعة كبيرة ملحقة بمقر إقامة رئيس المجلس النيابي، الجلسة اليومية مع الرئيس نبيه بري. الصحافيون يتصيدون منه بعض التعليقات والأخبار، والأصدقاء الذين رافقه بعضهم منذ البدايات يلتقونه بعيداً عن الرسميات، فيما هو يستغلها لممارسة رياضة المشي اليومية، منذ أن منعته الظروف الأمنية من ممارستها في حديقة المقر بدءاً من العام 2005.
ومنذ اليوم الأول لوصول فيروس كورونا إلى لبنان، اتخذ بري مجموعة من التدابير الوقائية، التي تدرجت من إلغاء الاستقبالات الشعبية والمراجعات، وصولاً إلى العزل شبه الكامل؛ حيث تقتصر لقاءاته حالياً على الطارئ منها، والاجتماعات المتعلقة بإدارة الأزمة.
وألغى بري لقاء الأربعاء النيابي الذي كان فرصة للنواب للاجتماع معه من دون موعد مسبق، كما ألغى لقاء الاثنين المفتوح مع الناس الذين كانوا يستغلونه لبعض المراجعات والخدمات، والاجتماع الروتيني لقيادة حركة «أمل» كل يوم أربعاء.
واستبدل بري اللقاءات مع الصحافيين بتواصل هاتفي، مباشر وغير مباشر، فيما استطاع أن يسير العمل الإداري لمجلس النواب عبر بريد يومي ولقاءات مع كبار الموظفين، مع ضوابط صحية وقائية، أما «الخسارة الكبرى» لبري فهي وفق مقربين منه، اللقاءات التي كان يجريها مع أفراد عائلته وأحفاده الـ22 الذين حرم من اللقاء بهم بسبب الظرف القائم.
ويعتبر القصر الحكومي أكثر تساهلاً، فرئيس الحكومة حسان دياب كان مصراً على العمل «المتخفف من الضوابط» كما يقول مقربون منه، وكان يجري لقاءاته بشكل عادي ومن دون كمامات، قبل أن يستسلم لضغوط الفريق الصحي والإداري ويرتدي كمامة في مجلس الوزراء. الذي عقد أمس جلسة اتسم ظاهرها بإجراءات جديدة أخلت كرسياً بين الوزير وزميله، يساعدهم في ذلك أن طاولات مجلس الوزراء صممت لما يزيد عن 30 وزيراً، فيما عدد وزراء هذه الحكومة 20. لكن مع هذا، يتم فحص حرارة كل الداخلين إلى السراي الكبير في وسط بيروت، ويتم تعقيم البريد الذي بات يتأخر عن مواعيده بسبب هذه الإجراءات، فيما تم خفض مستوى التواصل بين الموظفين.
أما رجال المعارضة، فقد حذوا حذو المسؤولين بتقييد الإجراءات الاعتيادية اليومية، وخفض الاتصال المباشر مع الناس.
رئيس الحكومة السابق سعد الحريري الموجود خارج لبنان حالياً، أعطى تعليماته لفريق عمله الموجود في لبنان بالتزام منازلهم حيث خلا «بيت الوسط» للمرة الأولى منذ بنائه من الحشد الاعتيادي للموظفين والمراجعين. أما كتلة «المستقبل» التي ترأس النائبة بهية الحريري اجتماعاتها في غياب ابن شقيقها، فقد باتت تتواصل إلكترونياً، كذلك المكتب السياسي لتيار «المستقبل» والقطاعات الخدماتية الأخرى.
وبعيداً عن بيروت، يسكن رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع في مجمع يشغل حيزاً كبيراً من جبل مطل على البحر قرب بلدة معراب شمال بيروت، ويتمتع الموقع بميزة استراتيجية لبعده عن الحركة اليومية للناس، ويتميز أيضاً بسهولة ضبط الدخول والخروج إليه.
أولى خطوات جعجع، كانت وقف الاجتماعات واللقاءات التي كانت تجري على مستوى الحزب وأمانته العامة، فيما اقتصرت الحركة الجزئية على مكتب جعجع، القريب جداً من مكان سكنه، كما يسهل حركته. ويقول مقربون من جعجع إنه لا يستطيع أن يطلب من الناس أن تأخذ حذرها من دون أن يبادر إلى أن يكون مثالاً؛ خصوصاً أن جعجع يتحدر من خلفية طبية.
ثالث أركان المعارضة، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، لم يستفد من الميزة الجغرافية، كما جعجع. فمقرّه في بلدة المختارة الجبلية ما يزال شاغراً؛ حيث يعزل جنبلاط نفسه في مقره ببيروت. وتخلى عن عادته في ارتياد المطاعم برفقة الأصدقاء، كما أوقف دعوات العشاء في منزله.
ويقوم جنبلاط بالتواصل مع قيادات الحزب هاتفياً، كما يطل عبر وسيلته المفضلة «توتير»، وذهب أبعد من سواه من السياسيين بالدعوة إلى إيجاد مقابر لضحايا كورونا بعيداً عن القرى وأماكن السكن.