IMLebanon

بشارة الخير في زمن المحن

كتب الشيخ د. محمد النقري في “اللواء”:

في زمن كثر فيه الظلم والفقر والنهب والسرقة، في زمن كثر فيه الغدر والخيانة والكذب والقهر، في زمن صنعت فيه الأوبئة والأمراض في المختبرات لتقتل وتفتك بالأبرياء والأشرار على حد سواء، في زمن اشتدت فيه النكبات وحيكت المؤامرات وقتل فيه الناس بعضَهُم بعضاً دون أن يعلم القاتِلُ لماذا قَتل ولا المقتولُ لماذا قُتَل، في هذا الزمن نكون قد أدركنا ما وصفه نبينا محمد عليه الصلاة والسلام بأنه يوم اقتراب يوم القيامة فيسأله أحد الصحابة عما إذا فقد الناسُ عقولهَم حينئذ؟ فيجيب النبي محمد بأنه تنزع عقول أهل ذلك الزمان حتى يحسب أحدهم بأنه على شيء وليس هو على شيء.

في زمن هذا الإنقسام الأكبر : إنقسام المجتمعات على بعضها والشعوب على بعضهم والعائلات والأبناء على بعضهم البعض، تأتي هذه المناسبة الوطنية الإسلامية المسيحية الجامعة لبشارة سيدتنا مريم لتمنحنا بصيصا من أمل افتقدناه، و إيمان بالله أضعناه، لتكون نسمة خير يفوح عطرها على المؤمنين بالله جميعا، بل لتكون بستاناً تنبت من على أرضه الطيبة رايات الأمل والرجاء بعد أن ظن المبغضون والحاقدون والأشرار أنهم أتلفوا تربته وأفسدوا ماءه وهوائه. هاتان الصفتان : الأمل والرجاء، هما من الصفات التي يحملها المسيحيون والمسلمون على حد سواء، ألم يقل بولس في رسالته إلى أهل كورنثوس : ” إِنَّهُ مِنْ أَجْلِنَا مَكْتُوبٌ. لأَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْحَرَّاثِ أَنْ يَحْرُثَ عَلَى رَجَاءٍ، وَلِلدَّارِسِ عَلَى الرَّجَاءِ أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا فِي رَجَائِهِ”. وكما تعلمناه نحن المسلمون أيضاً من قرآننا الكريم حين يقول الله تعالى : ” قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله” وكما يقول النبي محمد عليه الصلاة والسلام : “لو قامت الساعة (أي يوم القيامة والدينونة وما يصاحبها من مظاهر كونية تنذر بنهاية العالم) وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها”.

كل يوم لنا فيه – مسلمون ومسيحيون – بشارة من أمنا البتول مريم، بل وفي كل يوم تطلع فيه الشمس أو يتساقط فيه المطر أو تتلبد في سماءه الغيوم، ينتشر فيه رجاء أمنا البتول مريم أن يعم السلام على الأرض وأن تنتشر المحبة بين الناس جميعا، وأن تدق أجراس الكناس ويعلو الآذان من على مآذن المساجد معلنين انتهاء محنة الإنسان لأخيه الإنسان وولادة إنسان الخير والمحبة والرحمة والرجاء.

في هذا اليوم وفي هذه المناسبة الجامعة، ندعو المؤمنين والمشاركين بفرحة هذا اللقاء الوطني الذي اعتدنا أن نحتفل به في كل سنة منذ 2007، أن يستلهموا من بشارة مريم وولادتها ومحنتها التي واكبتها في سنين حياتها، العبر ومفاهيم التضحية والصبر على الشدائد والإيثار والإخلاص. وإن اضطرتنا المحنة الموجعة والفتاكة التي تعصف بالعالم أجمع إلى إلغاء احتفالياتنا السنوية في هذا العام، فإننا ومن منازلنا التي نحرص على ملازمتها الى حين انتفاء الغمة والكرب الذي يصيبنا، أن نتضرع جميعاً الى الله قائلين:

اللهم إننا مؤمنون بأنك خالق الأكوان وما حواه من إبداعات خلقك وانبهارات صنعك، جئناك مسلمين ومسيحيين متضرعين باسمك الأمجد والأرحم أن ترفع عنا هذا البلاء وأن تبعد عنا شر هذا الوباء، وأن ترأف بحال من أصابهم هذا الداء، فتمنحهم الصحة والشفاء، بعطفك ورحمتك ومحبتك، ونسألك بأن تعين أصحاب الحاجات من فقراء وعاطلين عن العمل ومقعدين على قضاء حوائجهم وأن تسخر قلوب الكرماء لإعانتهم، أللهم إننا ندعوك أن تجمعَنا على المحبة والألفة، وتطهر قلوبَنا من الأحقاد والتعصب، وأن تبعد عنا كيد الأشرار والقتلة، وأن تقرب بيننا لنصبح متحابين ومواطنين متجاورين متضامنين متراصين. اللهم إمنح أبناء لبنان وبلاد العالم، المعافاة والصحة والأمن والأمان ورسخ أقدام اللبنانيين على أرضهم حتى يكون لبناننا رسالة المحبة والعيش الواحد الى كافة البلاد والى جميع العباد.

كل عام وأنت يا مريم البتول، يا أفضل نساء العالمين، يا ممتلئة النعمة، تجمعيننا على الخير والمحبة والسلام والأمان،

وكل بشارة وأنتم مسيحيو ومسلمو لبنان والعالم بألف خير