عقد لقاء في عين التينة وبعيدا عن الإعلام بين رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس الحكومة حسان دياب لمناقشة عدد من الملفات التي كانت موضع تباين في وجهات النظر، بعضها يتعلق بملفات وتعيينات «مالية»، وبعضها الآخر يتعلق بأمور تشريعية، حيث ان الحكومة تحتاج الى رزمة قوانين عاجلة لمواجهة الازمات القائمة. المطلعون على مسار الأمور بين الرجلين لاحظوا ان العلاقة جافة وان الرئيس بري المحنك لديه ملاحظات وماخذ على دياب الذي يجده مختلفا ولا يشبه النسخة الحريرية بشيء.
هذه المصادر تعتبر ان بري ودياب ليسا على موجة واحدة في عدة ملفات وتتوقف عند ثلاثة ملفات هي موضع تداول وتباين هذه الايام:
٭ الاول يدور حول اعلان حالة الطوارئ، وحيث ان اجراءات التعبئة العامة لم تعد كافية للسيطرة على تداعيات فيروس «كورونا». وهذا الاعلان يصر عليه بري ومعه جنبلاط، ولم يعرف السبب الفعلي الكامن وراء هذا الإصرار وحقيقة الاعتبارات الدافعة اليه وتتجاوز بطبيعة الحال تداعيات ازمة «كورونا» ومواجهتها لتصيب سلطة الحكومة من جهة وحسابات الرئاسة من جهة ثانية.
هذا الإلحاح السياسي لا تجاريه الحكومة التي ترى ان هذا الأمر غير ممكن من الناحية القانونية، لأن اعلان حالة الطوارئ او اية منطقة عسكرية، يعني ان تتولى السلطة العسكرية العليا صلاحية المحافظة على الامن وتوضع تحت تصرفها كل القوى المسلحة، ويصبح البلد خاضعا للقوانين المعمول بها في الجيش اللبناني، وبالتالي فإن اعلان حالة الطوارئ، مع ما يستتبعه من انتقال القرار من السلطة السياسية (الحكومة) الى السلطة العسكرية (الجيش والمجلس العسكري)، يجب ان يستند الى معطيات كحصول فوضى امنية او تمرد عسكري وعصيان مدني وثورة مسلحة او حرب اهلية واقتتال داخلي.
٭ الثاني يتعلق بمشروع قانون الـ «كابيتال كونترول» الذي تصدى له بري وقطع الطريق عليه، معلنا بصراحة ان هذا المشروع غير وارد عنده لأنه مخالف للدستور. في جلسة الاثنين الماضي لمجلس الوزراء فوجئ دياب بوزير المال غازي وزني يطلب سحب المشروع من دون الدخول في شرح الاسباب التي دعته الى عدم التمسك بمشروعه، ولكن يمكن تحديد هذه الاسباب التي تتصل اولا بموقف الرئيس بري الرافض، وثانيا بوجود ملاحظات وتعديلات كثيرة عليه. فمن جهة اعدت وزيرة العدل مشروعا بديلا بالتشاور مع ثمانية وزراء، ومن جهة ثانية طرح الوزيران عماد حب الله ورمزي مشرفية مشروع قانون اخر معدلا.
من الواضح ان موقف بري هو الذي يقف وراء سحب المشروع، وان جملة ابعاد سياسية تقف وراء هذا الموقف، منها ما هو معلن لجهة ان «قوننة» الـ «كابيتال كونترول» يتعارض مع مقدمة الدستور التي تنص على تمسك لبنان بنظام اقتصادي حر، وبالتالي، فان فرض قيود على السحوبات والتحويلات يشكل خرقا للدستور، ومنها ما يبقى طي الكتمان وتفصح عنه مصادر معارضة بالقول ان المتضرر الاول من «قوننة المشروع» هم من المودعين من الطائفة الشيعية، كون حجم الودائع الشيعية في المصارف اللبنانية يفوق، وبنسبة عالية، الودائع العائدة للمودعين من الطوائف الاخرى. ومن الواضح ايضا ان الوزير وزني لديه هامش من المناورة والموقف، وان كان محسوبا على بري ويمثله في الحكومة، وهو يتعامل مثل رئيس الحكومة بكثير من الواقعية والبراغماتية مع الملفات المالية والاقتصادية، ولا ينصاع بشكل كامل ولكنه يحرص على علاقته مع بري ويأخذ بالاعتبار العامل السياسي في اي قرار اقتصادي.
٭ الثالث يتعلق بالتعيينات المالية والإدارية، ولاسيما ما يتعلق حاليا بتعيينات مصرف لبنان، وحيث التوجه عند رئيس الحكومة ومعه اكثرية الوزراء الى احداث تغيير شامل وعدم اعادة تعيين الذين كانوا يشغلون مناصب نواب الحاكم ولجنة الرقابة على المصارف، فيما يميل بري الى اعادة تعيين رائد شرف الدين (عن المقعد الشيعي)، مثلما يميل جنبلاط الى اعادة تعيين سعد العنداري (عن المقعد الدرزي). وهناك مشكلة ايضا عند رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية (حليف بري) الذي يتوجس من العلاقة غير المرئية بين دياب وباسيل وطبخة التعيينات عندهما، ويرتاب من استغلال موضوع «كورونا» لتهريب التعيينات وإمرار الصفقات. ويصل في موقفه الى حد التلويح بورقة الانسحاب من الحكومة اذا تبين له ان باسيل سوف يستأثر بالحصة المسيحية.
ثمة مشكلة داخل الحكومة وثمة اهتزاز هو الاول من نوعه بين بري ودياب. ولكن كل ذلك لا يمكن ان يصل الى حد تهديد الحكومة والاطاحة بها. الحكومة حاجة للجميع، وفي هذه المرحلة هي خط احمر عند حزب الله الذي سيتدخل في الوقت المناسب لمنع اتساع هذه الشروخ وللتقريب في وجهات النظر بين حلفائه.