Site icon IMLebanon

الحكومة تقرر التدقيق في أسباب الوضع المالي… ترحيب مصرفي ولكن!

تمضي المنظومة السياسية التي تمسك بالسلطة ومواقع القرار في لبنان في النهج الذي اعتمدته منذ عشرات السنوات، من خلال رمي كرة المسؤولية عن الأزمات الاقتصادية والمالية في ملعب القطاع المصرفي بشقيه: مصرف لبنان وجمعية المصارف، في وقت تنفضح يوما بعد يوم الصفقات السياسية والادارية والمالية التي ترعى عمل هذه المنظومة من خلال المحاصصة في التعيينات واقتسام مواقع القرار.

وفي ما بدا أنه محاولة لتوجيه الأنظار وتغطية الخلافات التي تعصف بين المكونات الحزبية للسلطة السياسية في شأن التعيينات الخاصة بنواب حاكم مصرف لبنان وهيئة الرقابة على المصارف، خرج مجلس الوزراء أمس بقرار يقضي بتكليف وزير المال غازي وزني “اتخاذ ما يلزم من اجراءات مع مصرف لبنان ومع الجهات ذات الصلة بهدف القيام بعملية تدقيق محاسبية مركزة، من شأنها أن تبين الأسباب الفعلية التي آلت بالوضعين المالي والنقدي الى الحالة الراهنة، إضافة الى تبيان الأرقام الدقيقة لميزانية المصرف المركزي وحساب الربح والخسارة ومستوى الاحتياطي المتوفر بالعملات الأجنبية”.

وعلى رغم أن الجهات المصرفية المعنية بدت مرحبة بأي خطوة تقنية من شأنها ضمان شفافية العمل، لاسيما في القطاع المصرفي، إلا أن المعنيين يستغربون أن تكون “حكومة الاختصاصيين” في شأن البحث عن “الأسباب الفعلية التي آلت بالوضعين المالي والنقدي الى الحالة الراهنة”، متسائلةً: “هل يمكن لعاقل أن يبحث عن أسباب الأزمة بعيدا عن الخيارات السياسية المحلية والإقليمية والدولية للحكومات اللبنانية، وبعيدا عن التموضع الاستراتيجي للدولة اللبنانية على مدى السنوات الماضية في مواجهة العالم العربي والغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، وبعيدا من الصفقات والفساد والهدر في الكهرباء والتهريب والتهرب الجمركي والضرائبي وغيرها”؟

ويتابع المعنيون مقاربتهم خلفيات القرار الأخير لمجلس الوزراء بالسؤال: “لماذا يحصر مجلس الوزراء عمليات التدقيق بالدورة المالية لمصرف لبنان؟ ولماذا لا يتابع مصير الأموال بعد خروجها من مصرف لبنان عبر وزارة المال الى الوزارات والصناديق والجهات الحكومية التي صرفتها”؟

ويؤكد مصدر مصرفي بارز لـ”المركزية” أن “التدقيق في الأموال التي دخلت مصرف لبنان وخرجت منه عملية مهمة وضرورية لضمان الشفافية، وهي لا تتطلب الكثير من الجهد لأن كل شيء واضح وموثق، ولكن معرفة مصير الأموال التي خرجت من مصرف لبنان هو الأهم إذا ارادت الحكومة فعلا التعرف الى الأسباب التي أوصلت البلد الى ما هو فيه من عجز وديون متراكمة، خصوصا في ظل عجز الحكومة عن وضع قطع الحسابات خلافا للدستور على الرغم من تعهدها بذلك منذ سنوات. فديون لبنان هي ديون على الدولة اللبنانية وليست ديونا على المصرف المركزي ولا على المصارف التجارية، بل على العكس، فإن الديون هي للمصرف المركزي والمصارف التجارية التي يحق لها المطالبة بمحاسبة الحكومة على التفريط بأموالها وأموال المودعين لا العكس. فالحكومة هي المتخلفة عن الدفع وليس مصرف لبنان ولا المصارف التجارية”.

ويلفت المتابعون إلى أن المحاسبة الحقيقية “يجب أن تكون للسلطتين التشريعية والتنفيذية من خلال تحقيقات تضمن تبيان الظروف التي اتخذت فيها قرارات الصرف والاستدانة وما إذا كانت هذه الظروف هي فعلا علمية وشفافة وقانونية ودستورية… أما رمي الكرة كالعادة في ملعب حاكم مصرف لبنان فلعبة سياسية سرعان ما سترتد على لاعبيها لاسيما أن القرارات في مصرف لبنان وآليات العمل ليست شأنا فرديا من صلاحيات حاكم المصرف حصرا، وانما من صلاحيات المجلس المركزي الذي يتخذ القرارات ويشرف على العمل، مع العلم أن المجلس المركزي يتألف من نواب الحاكم الذين هم، كما هو معروف وكما أثبتت كل التعيينات وكما تثبت الخلافات الراهنة في شأن تعيينهم، ممثلون للمرجعيات السياسية التي تشكل منظومة السلطة في لبنان بالإضافة الى المدير العام لوزارة المال والمدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة. وبالتالي فإن مسؤولية أي قرارات وتدابير لها علاقة بدخول الأموال الى مصرف لبنان وخروجها منه تقع على المجلس المركزي الذي يشكل حاكم المصرف واحدا من سبعة أعضاء يشكلونه، في حين أن الأموال التي تصرفت بها الحكومة هي التي يجب أن تخضع للتحقيق والتدقيق لمعرفة ظروف صرفها وقانونيتها”.