كتب علي الأمين في صحيفة “نداء الوطن”:
“يبرع” حزب الله في تحويل هزائمه وخيباته وتقهقره إلى انتصارات وهمية و”مولوية” وإلهية حيثما تدعو الحاجة. والساحة اللبنانية التي أرادها أمينه العام السيد حسن نصرالله مفتوحة على الصراعات الأقليمية، بإمكانه أيضاً ان يجعلها مفتوحة على احتمالات غير متوقعة أيضاً وآخرها كارثة “كورونا”.
فمصائب الكورونا عند قوم “حزب الله” فوائد، ومناسبة “عظيمة” تأتي في توقيت انكسار معنوي داخل بيئته على خلفية “نكد الدهر… العمالة لأميركا”، وتراجع في إدارة البلاد علانية ليشيح عنه شعار حكومة “حزب الله”.
وعليه، آثر “حزب الله” ضرب عصافير بحجر “كوروني” واحد: إستنفار “الجيش الحزبي” لتجنيب ضاحيته ومناطقه في كل لبنان، المزيد من “الإبادة الكورونية” بفعل تفشي الفيروس فيها بحسب المعلومات المستقاة من مصادر متقاطعة، خصوصاً انه لا يزال في دائرة الإتهام واللوم بإدخال العدوى الى لبنان بعد السماح خلافاً للقانون والمنطق عن قصد وعمد بهبوط الطائرة الإيرانية الموبوءة، وكذلك اتخاذ إجراءات عزل وأمن ذاتيين، خارج إطار الدولة التي لطالما يمارسها، إلى إعادة إستنهاض همة بيئته ورفع معنوياتها الهابطة بفعل “عملته الأخيرة” وممارسة لعبة فائض القوة.
وفي خضم المواجهة مع فيروس كورونا، على المستوى الرسمي والأهلي، انهمكت بعض القوى الحزبية في السلطة وخارجها، في عملية المشاركة في هذه المواجهة، في محاولة لتعويض الخسائر التي سببتها انتفاضة “17 تشرين”، من نزف لجماهيرها، وتراجع حضورها السياسي، فعمدت الى القيام بحملات اعلامية لتغطية بعض عمليات التعقيم في شوارع وأزقة وتقديم بعض المساعدات الغذائية الممهورة بختم الجهة في مناطق عدة.
“حزب الله” كان له دور واطلالة خاصة على هذا الصعيد، من خلال الاعلان عما اسماه “خطة حزب الله لمواجهة وباء – الكورونا”. الخطة التي اعلن عنها وعرض تفاصيلها رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” السيد هاشم صفي الدين مساء الاربعاء، عبر محطة المنار، بدت اكثر من مجرد خطة لمواجهة “كورونا”، هو بالتأكيد حرص على القول إن “كل اجراءات خطتنا تنسجم مع سياسات واجراءات وزارة الصحة وتدابير الحكومة والدولة اللبنانية” من دون أن يتضح إن كان هذا الانسجام يعبّر عن تعاون او دعم من قبل وزارة الصحة لمتطلبات هذه الخطة. هي اكثر من مجرد خطة، بسبب ما تضمنته من عديد وامكانيات بشرية، تتجاوز بأضعاف امكانيات وزارة الصحة نفسها، تحدث عن “كادر عدده 24500 شخص بين طبيب ومسعف وغيرهم من مقدمي الخدمات الطبية والصحية”، هذا الرقم ينطوي على مبالغة، بل على رسالة، مفادها أن “حزب الله” الذي لديه هذا العديد من الكادر الطبي، فما بالكم بالكادر العسكري والأمني؟ في الجيوش لا يشكل الكادر الطبي الا نسبة ضئيلة من عديدها، وبالتالي تخيلوا ماذا لدى “حزب الله” من عديد وقدرات مالية وفنية.
البعد الاستعراضي في الخطة ليس خفياً، بل شديد الوضوح، يقول صفي الدين جهزنا ٣٢ مركزاً طبياً احتياطياً لمواجهة “كورونا”، ماذا عن المراكز العاملة هي بالضرورة اكثر من الاحتياطي.
كل ما تقدم وسواه من مضامين خطة “حزب الله” لمواجهة وباء “كورونا”، ينطوي بدرجة اساسية على جملة رسائل سياسية ومعنوية، قبل ان تكون صحية.
ثلاث رسائل من “حزب الله”
الرسالة الأولى الى جمهوره، ان “الحزب” لم يزل قوياً وقادراً ومتفوقاً على الجميع بمن فيهم الدولة، بعد صفعات معنوية وعسكرية عدة تلقاها منذ انتفاضة 17 تشرين، وتراجعه في سوريا، وتراجع قدراته المالية وعطاءاته.
الرسالة الثانية، لعموم اللبنانيين، بأن الأزمة الاقتصادية والمالية، بل الانهيار، لن يؤثر على دور “حزب الله” ونفوذه، بل يجعله في موقع من يستطيع ان يملأ فراغ الدولة وعجزها ليس عسكرياً وامنياً فحسب، بل حتى على المستوى الطبي والاغاثي، اذ لم يفت السيد صفي الدين ان يقول ان جمعية الامداد التابعة لـ”حزب الله” تعيل ثمانية عشر الف عائلة.
الرسالة الثالثة والأهم، هي تعويضية والتفافية على كل الاسئلة التي احاطت بموقف “حزب الله” الفعلي من الدور الاميركي، او انقلابه على موقفه من مسألة تعاون لبنان مع صندوق النقد الدولي من الرفض الى القبول وربما الاستجداء لاحقاً، والاتصال الاخير الذي اجراه قبل يومين، وزير المالية غازي وزنة طلباً للمساعدة من الصندوق، هو البداية. ولا ينتهي الأمر عند فضيحة اطلاق الفاخوري، التي لم يستطع “حزب الله” ان يقنع جمهوره انه لم يكن شريكاً فيها.
الرسائل الثلاث هذه يفرضها حال انكفاء فرص الاستعراض العسكري، والعجز المتمادي عن الاجابة على اسئلة الأزمة الاقتصادية والمالية والمعيشية، وعدم قدرته على رفص ما يجري من محادثات بين الحكومة وواشنطن في هذا الشأن، الى جانب التحديات التي تفرضها انتفاضة اللبنانيين المستمرة، هو في مرحلة يحتاج الى تظهير فائض قوة ما لديه على هذا الصعيد، لا سيما بعد اغتيال قاسم سليماني، فالحزب المفتون او المسكون مرضياً بفائض القوة، يسعى لتظهيره في ما سماها امينه العام، الحرب على الكورونا، ولكن ليس نحو التسليم بالدولة وشروطها، بل بمزيد من تظهير ان الدولة عاجزة وان الدويلة هي القادرة وهي الجديرة بالاستمرار.