كتب أحمد الأيوبي في صحيفة “اللواء”:
اختارت مي خريش، «نائبة» رئيس التيار الوطني الحر (جبران باسيل) أن تشارك متابعيها على موقع «تويتر» بـ«نصيحة»، فحضتهم على قراءة كتاب «آخر أيام محمد» للتونسية هالة الوردي، لتفتح جدلاً ونقاشاً لا يتعلّق فقط بما تريده من هذا الاختيار، بل يرتبط بحقيقة الجهة التي تنتمي إليها في الاجتماع والسياسة والقيم، وما إذا كانت هذه الفئة صالحة للعيش في حياةٍ وطنية سلمية، وفي بلدٍ يحتاج إلى العيش المشترك حاجةً وجودية.
«الساحرة» المسكونة بشعوذة الفتن
مي خريش، المعروفة بعنجهيتها الشخصية وعجرفتها المتمادية وجلافتها المستفحلة وتعصبها الأعمى المعلن، أرادت أن تعبـّر عن «هوايتها» في إشعال الحرائق السياسية كإحدى ساحرات الزمن السحيق، وعن شغفها في تصديع الوحدة الوطنية، فاختارت كتاباً لمنشقّة عن المجتمع الإسلامي، وباحثةٍ عن الشهرة بالتشهير، وهاوية لشعارات كبيرة مثل تفضيل العقل على النقل كمدخل للطعن في الدين، تماماً مثل صاحبة الدعوة التي يبدو أنها باتت واثقة أنها لن تجد مكاناً في السياسة والمجتمع إلا إذا سلكت طريق «معلمها» جبران في الإثارة الطائفية والمذهبية وفي السلوك الشاذّ الخارج على القيم الدينية والإنسانية الجامعة.
لسنا في وارد الردّ على الكتاب لأن له مسلكاً آخر في المعالجة لقضايا إشكالية لها صلة بالتاريخ الإسلامي وبالصراع المذهبي السني – الشيعي، وما داخله من كتاباتٍ تخرج عن الحقيقة وتـُدلّس على الناس وترسّخ الفتن وتوقد الحزازات، بل سنتناول طبيعة السلوك الذي اعتمدته خريش، من موقعها السياسي الذي تحتلّه ومن سيرتها التي يبدو أنها تريدها زاخرة بالاستفزاز والكراهية والأحقاد..
إنها تعلم ما تفعل!
لا شكّ أن خريش تعرف تماماً ما تفعل، وهي لم تقم بإعلان هذا الإختيار بمحض الصدفة أو لجهلٍ بالنتائج، بل يمكن القول إنها تطلب وتسعى لإشعال فتنة طائفية بسبب حرصها على إغضاب المسلمين وحرف الأمور نحو فتنة مع بعض المسيحيين وإثارة النعرات بين السنة والشيعة لتتفرّج من برجها البرتقالي على هذا المشهد الذي يرضي نفسيتها المريضة بداء التعصّب الذي دفعها ذات يوم إلى الدعوة لإغلاق طرقات المسلمين، وعليهم، دون المسيحيين خلال فعاليات الثورة.
ماذا لو أساء الآخرون؟
كثيرٌ من اللبنانيين يتساءلون: ماذا لو عمد أحد الناشطين المسلمين إلى نشر كتبٍ تسيء إلى الديانة المسيحية أو إلى المسيح عليه السلام أو إلى تلامذته وسيرتهم أو إلى القديسين أو الكنيسة، وهذا أمرٌ مستنكر.. ماذا سيكون موقف خريش من هذا الفعل إذا اعتبره صاحبه حريّة فكر وتعبير؟
وماذا سيكون موقف الحاكمين والقضاء، هل سيتسامحون معه كما يتسامحون مع خريش وأمثالها، أم سيزجّ خلال دقائق في غياهب السجون؟
لم يتحمّل التيار الوطني الحرّ التعرّض لرئيس الجمهورية ميشال عون أيام كان رئيساً للتيار وبعد وصوله لسدّة الرئاسة، وشنّت قيادته أكبر حملةِ قمعٍ للناشطين، من كلّ الطوائف والمذاهب، لانتقادهم رئيسه الحالي جبران باسيل، وتريد مي خريش أن تمارس هوايتها في القراءة المسمومة بالترويج لكتابٍ يسيء للمسلمين ويضرب مبدأ العيش المشترك، فكيف يمكن فهم هذا السلوك؟
أين مواقف المرجعيات؟
مع التقدير للموقف الذي صدر عن دار الفتوى، إلا أن الفعلةَ التي انزلقت لها خريش لا تعالج بالدعوة للاعتذار – وهي اعتذرت شكلياً – لذلك ندعو مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان إلى إعلان مقاطعة التيار الوطني الحرّ بشخص رئيسه جبران باسيل ونوابه وسائر هيئاته القيادية، لأنه تيارٌ معادٍ للإسلام ومهدِّدٌ للسلامة والوحدة الوطنية، ورفض استقبالهم كما حصل في مرّاتٍ سابقة، مارسوا فيها إساءاتهم ثم حضروا إلى دار الفتوى لمسحها.
نسأل الرئيس سعد الحريري عن موقفه من كلام نائبة صديقه جبران، وكيف سيتصرّف تجاه هذا العدوان على المسلمين ونبيهم الكريم وصحابته رضوان الله عليهم؟
لن نسأل رئيس الجمهورية لأنه طالما رعى مسار صهره جبران، وغطّى كلّ ممارساته المخالفة للدستور والمناقضة للعيش المشترك، إلى درجة ذهابه إلى مجلس النواب لتفسير المادة 95 من الدستور بعد إصرار باسيل على رفض التحاق الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنية فقط لأن بينهم أغلبية مسلمة، مع ما حملت تلك الخطوة من أبعاد تساوي طلب التعديل الدستوري لمادة شكّلت أحد قواعد التوافق الوطني في الطريق إلى إلغاء الطائفية السياسية في مجال التوظيف لجهة حصر الاعتبار الطائفي في توزيع وظائف الفئة الأولى وتحرير سائر الفئات من هذا الاعتبار.
رعى الرئيس عون كلّ حملات باسيل وجولاته التي كادت أن تفجّر حرباً في جبل لبنان ودعا خلالها إلى دفن السنية السياسية وإحياء المارونية السياسية مع كل ما حملته تلك الدعايات الباسيلية من ضخٍّ طائفي هدّد الإستقرار الوطني وأعاد نبش القبور والفتن وحرّك أشباح الحرب البائدة وسط إصرارٍ وتمسّكٍ متمادٍ بكلّ تلك الدعايات والطروحات العنصريّة..
تيار الفئة الباغية
لم تخرج مي خريش عن طريق «معلمها» جبران بل إنها تسعى دائماً إلى إضافة «بصماتها الخاصة» في عالم الفتنة وإثارة المشاحنات، باعتبار أنها الطريق الأقصر للوصول إلى المواقع في التيار والدولة، وهو مسارٌ لا يقتصر عليها، بل إن هذا التيار يبني قواعده على أُسُس الكراهية والعنصرية والسعي لاستعباد الآخرين، فهم الفئة «المختارة» و«المقدّسة» وغيرهم الفئات الدنيا التي لا يحقّ لها العيش إلاّ تحت سيطرتهم.
خريش مسؤولة في تيارٍ يعيش على إثارة العصبيات الطائفية والمذهبية خارج نطاق الدين، فشتان بين العصبية والتدين.. وعندما اقتضت مصلحته تعرّض لرأس الكنيسة المارونية في لبنان والمشرق، غبطة البطريرك الراحل الكبير مار نصرالله بطرس صفير، ولم يُبالِ بمكانة الرجل (على رأس المؤسسة) الدينية والوطنية ولا بتاريخه ونضاله، وعندما تستوجب مصلحته الطعن بسيدنا عليّ بن أبي طالب والحسين رضوان الله عليهما سيقوم بذلك بدون أيّ تردّد.. كما هو دائب على الطعن بأهل السنة خدمة لتحالف الأقليات القائم على تفسيخ الأوطان.
هذا التيار لا يمكن منحه صفة دينية فهو أهان الكنيسة التي ينتمي إليها وخرج على قيم اللبنانيين في احترام الأديان تعزيزا للعيش المشترك.
إنه تيار الخارجين على القيم.. تيار العداء للقيم الدينية السمحاء.. ولو جلس مسؤولوه في الصف الأول لدور العبادة.
هذا التيار الذي نسف كلّ تاريخه «السياديّ» ودخل حلف الأقليات وتحالف مع نظام آل الأسد، ويحارب بكلّ قوّته اليوم للإنقلاب على الدستور والطائف، مستعدّ لتدمير الكيان وسحق أهله ليستمرّ في التربّع على كرسيّ السلطة ولضمان توريثه للصهر المصون.. هذا التيار خطر حقيقيّ على لبنان الوطن والرسالة ومصدر تهديدٍ لمستقبل الشعب اللبناني المسحوق تحت وطأة سياسات عون – باسيل – «حزب الله» التي أورثتنا المهالك الاقتصادية والمعيشية والسياسية والإنسانية..
لذلك، فإن على كل القوى السياسية الواعية والمرجعيات الدينية أن تقاطع ما يسمى «التيار الوطني» وتسقطه من وضعية الإجتماع الوطني حتى يفيء إلى رشده أو يسقطه الناس في أول استحقاقٍ انتخابي، إذا بقي لبنان بعد مهالك الانهيار الأخلاقي والاقتصادي والمالي والاجتماعي والسياسي الناتج عن حكم الفئة الباغية.