كتب يوسف دياب في صحيفة الشرق الأوسط:
يزداد منسوب الخطر من انفجار قد تشهده سجون لبنان، في حال تفشي وباء «كورونا» بين نزلائها؛ خصوصاً أن حالة «التعبئة العامة» التي فرضتها الحكومة منذ أسبوعين لمنع التجمعات، تجاهلت السجون المختنقة بآلاف الموقوفين الذين يطالبون بعفو عام لا يزال معلقاً على حبل الصراعات السياسية، غير أن القضاء اللبناني بادر من تلقاء نفسه إلى اعتماد حلول جزئية، لتخفيف اكتظاظ هذه السجون ومراكز الاحتجاز، ووضع آليات للبت في طلبات إخلاء السبيل وإطلاق سراح موقوفين، حتى من دون كفالات مالية.
ومع صعوبة نقل الموقوفين من السجون إلى المحاكم ودوائر التحقيق، لجأ القضاء بالتعاون مع نقابتي المحامين في بيروت وشمال لبنان، إلى تسريع وتيرة التحقيق، عبر استجواب الموقوفين إلكترونياً، وتقديم طلبات إخلاء السبيل من خلال تطبيق الـ«call center»؛ حيث انطلق العمل منذ أيام بغرفة التحقيق الإلكتروني برئاسة قاضية التحقيق الأول في الشمال سمرندا نصار، معتمداً برنامج «zoom»، وبدأ استجواب الموقوفين في مكان احتجازهم.
ومع غياب ملف السجون عن اهتمام السلطة السياسية، يتكفل القضاء بتحمل مسؤولياته في الشق الواقع ضمن اختصاصه. وأكد مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط»، أن «القضاء معني بمسألتين: الأولى تحقيق العدالة وتطبيق القانون، والثانية تخفيف خطر تفشي وباء (كورونا) في السجون بسبب الاكتظاظ داخلها». ولفت إلى أن السلطة القضائية «تتفهم الاحتقان وحالات الغضب التي تسود السجناء بسبب الخوف على حياتهم، ولذلك اعتمدت آليات تؤدي إلى تخفيف هذا الغضب». وعما إذا كان هذا الإجراء يعوض عن العفو العام الذي يطالب به السجناء، أوضح المصدر القضائي أن العفو «يحتاج إلى قرار سياسي من الحكومة ومجلس النواب؛ لكن القضاء الذي يتحسس خطورة المرحلة، لا يمكنه أن يقف مكتوف الأيدي بانتظار العفو العام الذي لا يبدو قريباً؛ بل واجبه الموازنة بين تحقيق العدالة، وتقليل نسبة الخطر على السجناء».
من جهته، أوضح نقيب المحامين في الشمال محمد المراد، أن «الظروف التي فرضتها حالة (التعبئة العامة)، وتعطل عمليات سوق الموقوفين إلى قصور العدل، فرضت واقعاً جديداً للتخفيف من خطر انتقال فيروس «كورونا» إلى السجون المكتظة بنزلائها». وقال المراد لـ«الشرق الأوسط»: «من هنا جاءت مبادرة رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، الرامية إلى إيجاد آلية قانونية تسهل تقديم طلبات إخلاء سبيل الموقوفين، وعمليات الاستجواب إلكترونياً، دون نقل الموقوف من السجن إلى قصر العدل»، مشيراً إلى أن «هذه الآلية التي تلقفتها نقابتا المحامين في بيروت والشمال، من شأنها حماية الموقوفين والعناصر الأمنية المولجة حمايتهم وسوقهم، والفريق الإداري المسؤول عنهم داخل السجون».
ولفت المراد إلى أن «لجنة السجون في نقابة المحامين في طرابلس، تحولت إلى لجنة طوارئ، وباشرت تلقي عشرات طلبات إخلاء سبيل موقوفين، سواء عبر (الفاكس) أو بانتقال محامين إلى السجون، وتحويل هذه الطلبات إلى المراجع القضائية المختصة». وأضاف: «نلمس تعاوناً إيجابياً لجهة الموافقة على إخلاءات السبيل»، كاشفاً أن «الهيئة الاتهامية في الشمال برئاسة القاضي رضا رعد، أطلقت الأربعاء سراح 25 موقوفاً، كما تم وضع آليات لتلقي طلبات مماثلة عبر تطبيق (call center) من أجل تحويل عشرات الطلبات المماثلة إلى القضاة المختصين».
ورأى النقيب المراد، أن «ما يحصل الآن على صعيد التعاطي الإيجابي مع الموقوفين، يؤدي إلى حماية السجناء والفريق الإداري داخل السجون، ويخفف من الظلم اللاحق بكثير من الموقوفين»، متوقعاً أن تؤدي هذه الإجراءات إلى الإفراج عن حوالي 200 موقوف من سجن طرابلس، أي ما بين 15 و20 في المائة من نزلائه.
وعلى أهمية هذه الإجراءات، فإنها لا ترضي الملاحقين بجرائم جنائية كبيرة. واعتبر المحامي محمد صبلوح، وكيل الدفاع عن العدد الأكبر من الموقوفين الإسلاميين، أن «إخلاءات السبيل جيدة؛ لكنها محصورة بالملاحقين بجرائم بسيطة». وأكد لـ«الشرق الأوسط»، أن «عمليات الإفراج عن موقوفين لا تشمل الملاحقين أمام المحكمة العسكرية، وهم أكثر فئة مظلومة بين السجناء». وقال: «هذه الإجراءات جيدة، وقد تخفف مرحلياً من اكتظاك السجون؛ لكنها ليست بديلة عن عفو عام شامل ومنصف»، داعياً إلى اعتماد مبدأ «العدالة الانتقالية». وأضاف صبلوح: «البلد مر بخلافات سياسية حادة نتيجة الحرب في سوريا، نتجت عنها توقيفات لشباب من فئة معينة (من أهل السنة)، وبالتالي لا بد من معالجة تلك الأخطاء بعفو عام».