كتبت جويل رياشي في صحيفة “الأنباء الكويتية”:
دقائق معدودة لا تتعدى العشرين للتنقل على الساحل اللبناني بين العاصمة بيروت ومدينة جبيل. نعم، هكذا اختصر زمن الكورونا المسافة بين منطقتين كانت تفصل بينهما ساعات، تتعدى الانتقال بالطائرة من بلد الى بلد. الاوتوستراد الوحيد الذي يربط بين المنطقتين مشرع أمام السيارات، في حين أقفلت المتاجر الواقعة على جانبي الطريق السريع، وفتحت بعض الأفران المعروفة أبوابها أمام قلة من الزبائن، لم تحتج معها إدارات الأفران الى اتخاذ تدابير خاصة بتنظيم الدخول، في غياب الازدحام التي اعتادته سابقا.
نفق نهر الكلب الشهير أيضا مشرع أمام حركة العبور. وبعده من جهة الرجوع الى بيروت لوحة الكترونية عملاقة خاصة بالتحكم المروري، وضعت عليها إشارة منع التجول وعبارة #خليك_بالبيت.
نحو عشرين دقيقة بسرعة مقبولة وليست مفرطة استغرقتها الرحلة الى جبيل، المنطقة التي اعتبرت «موبوءة» بشكل مفرط، والتي ضرب فيها المستشفى الرئيسي لأقضية جبيل وكسروان والبترون، مستشفى سيدة المعونات بإصابة قسم لا بأس به من طاقهما الطبي، جراء انتقال العدوى اليهم من المريض الذي نقل الوباء من مصر، ثم توفي لاحقا وزميله في الغرفة.
عدا الأفران، نلمح على الطريق عمال محطات الوقود، في غياب لافت للزبائن، لانحسار حركة السيارات.
حزينة جبيل وصامتة، ترتفع فيها أصوات أجراس الكنائس والأذان من الجوامع، في إشارة الى بلدة التعايش التي تغلبت على الحرب الأهلية، بحفظ ناسها على مختلف تلاوينهم الدينية في تلك الفترة العصيبة، فترة أصوات المدافع والبنادق.
غابت السيارات عن محيط مستشفى سيدة المعونات، وأمكن بوضوح رؤية المرآب الخارجي المؤلف من طبقات عدة خاليا. في حين خصص المبنى الذي كان يستقبل مرضى السرطان، ويعتبر الأحدث في لبنان، وأحد ثلاثة مراكز كبرى لمرضى السرطان، خصص لوافدين جدد منتظرين: مرضى الكورونا، وهو مبنى خاص مفصول عن المستشفى وله مداخل خاصة به ومواقف للسيارات في محيطه.
وأفاد رئيس قسم السرطان في المستشفى البروفيسور مارسيل مسعود لـ«الأنباء» عن إعادة جدولة لجلسات العلاج الكيميائي من دون توقفها، ونقل مرضى السرطان الى قسم آخر في المستشفى.
خارج حرم المستشفى، تبدو الحركة شبه مشلولة ومقتصرة على الدكاكين الصغيرة. فيما يمكن مشاهدة دوريات لجنود الجيش اللبناني الذين وضعوا كمامات واقية مع ملاحظة وجود غالونات مياه كبيرة بدت ظاهرة للعيان من الشاحنات أكثر من مشاهد البنادق.
السوق القديم مقفل بالكامل وكذلك السوق التجاري المحدث الذي يحمل اسم «الجادة 13».
الطريق الى الميناء الفينيقي التاريخي لا يختلف عن أحياء المدينة، وهو افتقد الباصات التي تقل السياح، وبات يمكن لمن يقود سيارته ركنها في وسط الطريق والنزول لالتقاط صور، اذ لا أحد خلفه! في الميناء، يطالعنا جوني قرداحي الشاب الذي اعتاد استقبال السياح وتأمين أماكن لركن سياراتهم، والمعروف من قبل قاصدي الميناء وأبناء القضاء، يتجول جوني بمفرده على رصيف الميناء، في غياب البحارة من صيادي الأسماك. وفي مفارقة حزينة، أقفلت المقاهي في شكل كامل، وبينها مطعم «بيبي عبد» الذي كان ملاذا للصحافيين الأجانب حتى في أيام الحرب الأهلية، لتأمينه الكهرباء على الدوام والاستراحة والأمان للجميع. العدو الآن مختلف وغير مرئي، ورهبته حاضرة بقوة في المنطقة الأثرية للمدينة. القلعة الصليبية صامته وتشهد على حقبة جديدة تهدد المدينة والساحل اللبناني. بينما اقفلت المطاعم والمحلات في تلك البقعة السياحية في شكل كامل، وجلس رجل وفتى أمام مسجد السلطان عبدالحميد الثاني الواقع بين كنيستين، ينتظران مصلين قد لا يأتون.
في طريق العودة الى بيروت، غياب للحركة في وقت كانت تشهد فيه ازدحاما غير مسبوق لولوج العاصمة من كسروان وجبيل والشمال في هذا الوقت من ساعات النهار.
حتى محلات الحلويات التي تبيع «الكنافة» اللبنانية أغلقت أبوابها، في وقت اقدمت فيه بعض المطاعم على نزع لافتاتها في إشارة إلى إقفال نهائي فرضته الظروف القاهرة الحالية.
وفي وقت يغرق فيه الساحل بالصمت، يعمد قسم من المصطافين في الجبال الى تدشين موسم الصيف باكرا بالتوجه الى القرى، سعيا الى حركة اختلاط أقل، مع ما يصحبه ذلك من خشية لأهالي القرى من «ضيوف وزوار غير مرغوب فيهم».