كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
يسرق وباء كورونا الأضواء من بقية الملفات على الساحتين اللبنانية والعالمية، لكن الهمّ الإقتصادي يبقى أساسياً في بلد كان يعاني من أزمة مالية قبل الكورونا.
لا ينتظر أحد من الحكومة الكثير، بل إن الجميع متفق على أن حكومة الرئيس حسّان دياب هي لتمرير المرحلة بأقل خسائر ممكنة، وهذه قناعة القوى التي شكّلتها أيضاً، والتي تقتنص الفرصة لتعود برموزها إلى الحكم وليس بشكل مقنّع كما يحصل حالياً.
ربما فهم رئيس “التيار الوطني الحرّ” جبران باسيل هذه اللعبة منذ بداياتها، وهو الذي كان ينقل عنه المستوزرون الذين كان يقابلهم قوله إن هذه الحكومة ستتعرّض للكثير من الضربات والإنتقادات و”القواص”، والحل بالعودة لحكومة شبيهة بحكومة الرئيس سعد الحريري الأخيرة.
لكن الأمور بالنسبة إلى دياب حسب ما ينقل عنه مقربون “جيّدة والعمل جار على قدم وساق لمحاولة اجتراح حلول لأزمة عمرها نحو 30 عاماً، فهذه الحكومة ليست مسؤولة عن الدين العام ولم يرتكب وزراؤها المخالفات والفساد، بل أتوا واستلموا قنبلة لا يعرف أحد متى تنفجر، في حين أن البعض رأى أن الفرصة مؤاتية للهروب من تحمّل المسؤولية”. وحسب هؤلاء فإن الوضع يشبه من استلم شركة عليها ديون متراكمة وصلت إلى مئة مليار دولار، في حين أن من ساهم في الوصول إلى هذه المرحلة ينتقد ولا يقوم بأي خطوة من أجل الإصلاح.
ويبدو أن “كورونا” ساهم من حيث لا يدري أحد في تخفيف الضغط عن الحكومة، وهذا الضغط كان متمثلاً بالحراك الشعبي وبالمعارضة السياسية.
وعلى صعيد الحراك الشعبي، فإن الكورونا جمّد وتيرة الإحتجاجات الشعبية لأن التجمعات ممنوعة وتأتي بالمخاطر على المتظاهرين فيما المطلوب هو الحجر المنزلي.
وبالنسبة إلى المعارضة، فإن حزب “القوات اللبنانية” الذي كان يعتبر من أشد المعارضين يحيّد الحكومة نوعاً ما وهو لا يريد اتباع سياسة “عنزة ولو طارت”، بل يؤكّد أنه يتعامل على “القطعة”، فعندما تخطئ الحكومة نقول إنها أخطأت وعندما تصيب نثني على خطواتها.
والأمر نفسه ينطبق على رئيس “الحزب التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط الذي يركّز كل جهده على “الكورونا” وحماية الجبل، ولا يريد أن يدخل في معارضة شرسة مع الحكومة، في حين أن تيار “المستقبل” يركّز معركته مع “التيار الوطني الحرّ” وباسيل منذ خطاب الحريري في 14 شباط، إضافة إلى الجدال على التعيينات في حاكمية مصرف لبنان أخيراً. ولكن ما انتظره دياب من الخصوم أتى من الحلفاء، إذ إن الواقع الحكومي والتجاذبات الحالية تختصر بهذا البيت الشعري القائل: “وظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضة على المرء من وقع الحسام المهند”، حيث ان بعض الوزراء القريبين من دياب يؤكّدون أن المرحلة لا تحتمل التجاذبات الحكومية والمناكفات خصوصاً أن العمل الحكومي مستمرّ والحكومة تواجه باللحم الحي أزمة وباء الكورونا في وقت تعجز أعظم الدول التي تملك إمكانيات هائلة عن التصدّي له، لكن الأساس يبقى ضبط المناكفات التي تحصل بين الحين والآخر.
وكادت التعيينات في حاكمية مصرف لبنان أن تفجّر صراعاً قوياً بين تيار “المردة” و”التيار الوطني الحرّ” حيث اعتبر الوزير السابق سليمان فرنجية أن هناك طرفاً يستغل “كورونا” لتمرير المحاصصة في التعيينات، في وقت كان لكلام رئيس مجلس النواب نبيه بري عن أداء الحكومة في ما خص عودة المغتربين وإمكانية تعليق مشاركته في الحكومة أثر كبير في نفس دياب الذي استدرك الأمر وذهب باتجاه إرضاء برّي.
وفي هذه الأثناء، يحاول “حزب الله” رأب الصدع بين الحلفاء وعلى رأسهم باسيل وفرنجية، ومعالجة قضية المغتربين الراغبين في العودة لأن أي انفجار حكومي سيؤثر سلباً على وضعيته ووضعية البلد، وهذا خط أحمر بالنسبة لـ”الحزب” في هذه المرحلة، وقد استطاع ضبط خلاف فرنجية – باسيل في مراحل أصعب مثل معركة رئاسة الجمهورية، وهو قادر على القيام بهذه المهمة حالياً.
وتشير الأجواء الحكومية إلى أن مشروع “الكابيتال كونترول” وعودة المغتربين وحتى التعيينات لن تفجّر الحكومة لأن الجهد منصب على أزمة الكورونا، ففي حال مرّت الأيام المقبلة من دون تسجيل إصابات تفوق المئة شخص يومياً فإن الخطر يكون قد خفّ وعندها ينصرف الجميع إلى معالجة بقية الملفات.
أسقط تهديد برّي بتعليق مشاركته في الحكومة القناع عن حكومة دياب التي حاولت ارتداء ثوب حكومة الإختصاصيين المستقلة، تلك الحكومة التي لا تستطيع وزيرة العدل ماري كلود نجم السير بالتعيينات القضائية بلا رضى مرجعيتها السياسية، وكذلك حكومة لا تستطيع اتخاذ قرار بلا موافقة الثنائي الشيعي، لكن الكوارث تعطي فترة سماح للحكومة في حين أن المحاسبة ستأتي لاحقاً من الحراك والمعارضين حسبما يؤكدون لأن عقارب الساعة لن تعود الى الوراء.