Site icon IMLebanon

رد مفصّل من محامية عامر الفاخوري عن قضيته

ردت المحامية اللبنانية – الأميركية سيلين عطالله، موكلة عامر الفاخوري في لبنان، في بيان، بشكل مفصّل، على قضيته.

وجاء في البيان:

“ما أنْ وطأ المواطن اللبناني الأميركي عامر الفاخوري أرض لبنان حتى بدأت المزايدات والتدخّلات السياسيّة مع المراجع الأمنيّة ومن بعدها القضائيّة لتوقيفه وعدم الإفراج عنه لإعتبارات ومصالح سياسيّة بحتة، تزامنت مع حملة ممنهجة تحريضيّة وتشهيريّة وإفترائيّة بالكامل على وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي بدأت بتسميته زوراً بـ”جزار الخيام” ولم تنته باختلاق أكاذيب وقصص لم تُقدَّم أقصوصة دليل واحدة على صحّتها طيلة فترة احتجازه غير القانونيّة في لبنان. فما هي الرواية الحقيقيّة لهذا الرجل وما الذي جرى بين تاريخ توقيفه في 12 أيلول 2019 وتاريخ الإفراج عنه في 16 آذار 2020.

براءة ثابتة وفبركة جرائم ودور القضاء

أوّلاً، إنّ الثابت من كل التحقيقات التي أجرتها المنظّمات الدوليّة والمنظّمات غير الحكوميّة والمجموعات السياسيّة والصحافيّون والأجهزة الرسميّة اللبنانيّة عن معتقل الخيام لم تأتِ على ذكر اسم عامر الفاخوري ولم يرتبط مرّة واحدة اسمه بأيّ عمليّة تعذيب أو قتل. والحكم الوحيد الصادر بحقّه هو عام 1996 والذي قضى بإدانته بالتعامل مع جيش الإحتلال الإسرائيلي وقتها في جنوب لبنان على غرار آلاف اللبنانيّين الذين كانوا يقطنون في المنطقة المحتلّة. وقد أسقطت المحكمة العسكريّة نفسها هذا الحكم في آب 2018 سنداً لمرور الزمن.

وكان عامر الفاخوري دخل لبنان بطريقة شرعيّة بعد أن استحصل على وثائق رسميّة تؤكّد سقوط الحكم الصادر بحقّة والتي تنفي نفياً تاماً وجود أيّ اتّهامات بحقّه لا من المحكمة العسكريّة (قرار سقوط الحكم الغيابي)، ولا من جهاز الأمن العام (إفادة ملاحقات)، ولا من المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي (إفادة ملاحقات من مكتب التحرّيات؛ وسجل عدلي نظيف لا حكم عليه من مكتب التحرّيات).

ثانياً، نُسب إلى عامر الفاخوري جرائم قمع احتجاجات أدّت إلى وفاة الأسيرين ابراهيم أبو عزة وبلال السلمان عام 1989، ولكن المحكمة العسكريّة ذاتها أصدرت قراراً عام 2001 بإدانة من ارتكب هذه الجرائم، فضلاً عن أنّ هذه المحكمة طبّقت مرور الزمن على هذه الجرائم.

ثالثاً، وتحديداً بالنسبة للاتّهام المفبرك بخطف المعتقل علي حمزة، فإنّه تبعاً للدراسة والتحقّق، يتبيّن أنّ “منظمة هيومن رايتس ووتش” (HUMAN RIGHTS WATCH) أعدّت تقريراً مفصّلاً بتاريخ 27 تشرين الأوّل 1999، والذي أشار بصورة واضحة وصريحة إلى أنّ السجين ابراهيم كلش، المعتقل في سجن الخيام من العام 1985 إلى العام 1990، هو شاهد على وفاة علي حمزة في العام 1985. وقد قُدِّمت كذلك وثائق من الأمن العام اللبناني ووزارة الداخليّة تثبت أنّ علي حمزة كان توفّي في فترة سابقة لفترة وجود عامر الفاخوري في الخيام.

رابعاً، إنّ الثابت أكثر أنّه يوم تحرّر المعتقلون في سجن الخيام، وجّهوا اتّهامات صريحة وبالأسماء إلى من عذّبهم أو قَتَلَ رفاقهم وكثير منهم حوكموا وأدينوا بهذه الجرائم، إلا أنّ أحداً منهم لم يربط، ولا مرّة واحدة حتى، اسم عامر الفاخوري بهذه الجرائم، ومن بين هؤلاء أسرى محرّرين يمكن العودة إلى كتبهم التي لم تذكر مرّة اسم عامر الفاخوري.

خامساً: تمّت في البداية فبركة اتّهام أوّل عن استحصال عامر الفاخوري على جواز سفر إسرائيلي وهويّة إسرائيليّة كحجّة لتوقيفه كون اكتساب الجنسيّة الإسرائيليّة تعتبر من الجرائم المستمرّة التي لا يمرّ عليها الزمن. وقد أثبتنا بوثائق رسميّة عدم صحّة هذا الادّعاء.

فكيف يمكن تصوّر للحظة أنّ هذه الجرائم والادّعاءات المزعومة والمفبركة، عادت لتطفو بعد 30 عاماً وأن تُلصق بعامر الفاخوري؟ وهل كان شبحاً وقتها نَسِيَهُ كل الذين تعرّضوا للتعذيب وتذكّروه بعد 30 عاماً، ولاسيّما بعض الصحافيّين المأجورين، أو أقلّه المضلَّلين، الذين أخذوا يختلقون وقائع ويحرّضون ويزايدون؟!

أمام كل هذه الحقائق، السؤال هو كيف كان بإمكان أيّ قاضٍ أن يوجّه اتّهاماً لعامر الفاخوري منذ اليوم الأوّل، وحتى من دون استجوابه، مستنداً إلى أقاويل تواترت إلى من استمع إليهم بصفة شهود من دون أيّ دليل مهما كان نوعه متجاوزاً كل الأدلة المعاكسة المقدّمة إليه؟ فضلاً عن استناد قرار الاتّهام إلى الاتّفاقيّات الدوليّة التي وقّع عليها لبنان من دون أن يُصدّقها ويُقرّها لتصبح جزءاً من تشريعه الداخلي، وهو ما يحول بحدّ ذاته دون تطبيقها في حالتنا الحاضرة. وطبعاً لو أردنا تطبيق هكذا اجتهاد على السياسيّين الذين مارسوا ضغوطاً على القضاء لكانوا بأكثريّتهم يدينون أنفسهم كمرتكبي جرائم حرب وضدّ الإنسانيّة وإبادة خلال الحرب اللبنانيّة، وجرائمهم هم هي التي لن تسقط في عدالة السماء بمرور الزمن.

أليس هذا إثباتاً صارخاً أنّ اتّهام عامر جاء بسبب الضغوط وبهدف تسجيل موقف بطولي أمام الرأي العام بعيداً من أيّ سند قانوني؛ في حين أنّ العمل البطولي الوحيد قضائياً سجّله القضاة الذين طبقوا القانون وأفرجوا عن عامر الفاخوري؟ّ

وأليس كل ذلك إدانة للسياسيّين الذين لا يضعون شيئاً من طاقاتهم ووقتهم للنظر في شؤون مواطنيهم وشجونهم، وفي أوضاع السجون المزري في لبنان على عكس ما فعل معظمهم في قضيّة عامر؟ فقد كان الحري بهم استنفاد طاقتهم في العمل على بناء قضاء مستقل وعلى مكافحة الفساد لأنّ ذلك يبني وطناً.

وكان عامر الفاخوري استكان أيضاً إلى طلب رئيس الجمهوريّة ميشال عون من المبعدين قسراً العودة إلى بلدهم الأم، وهو كان على ثقة بأنّ صفحة جديدة فُتحت في لبنان وأنّ اللبنانيّين وضعوا مآسي الحرب وراءهم، ولكن مع الأسف يبدو أنّ فريقاً معيّناً ما زال مستهدفاً ومحروماً من العودة إلى لبنان. في كل الأحوال، عاد عامر إلى وطنه مع عائلته لزيارة قبر والديه اللذين توفيّا وهو في الغربة ولم يتسنّ له وداعهما. وقضى 8 أيّام قبل اعتقاله حيث التقى أقاربه وأصدقاءه الذين لم يرهم منذ أكثر من 20 سنة. وثمّ استُدعي مرّتين إلى مقر الأمن العام في شأن جواز سفره الأميركي ولبّى الطلب لثقته بالدولة ولتأكّده من أنّ ملفّه نظيف وفق الوثائق الرسميّة التي بحوزته، ولم يلجأ إلى السفارة الأميركيّة. ومن ثمّ، وبشكل مفاجئ، نجد من خرج ليتّهمه أنّه قَدِمَ إلى لبنان في مهمّة مشبوهة.

دور المحامين

المحاماة رسالة وكل محامي يعلم أنّ من حق كل شخص أن يكون لديه موكّل يدافع عنه وأنّ أيّ متّهم هو بريء حتى تثبت إدانته. وما حصل أنّ بعض المحامين خالفوا كل ذلك، فأصدروا حكماً مسبقاً على عامر الفاخوري متّهمين إيّاه بالعمالة وشاركوا في التظاهرات ضدّه وحاولوا الضغط على نقيب المحامين في بيروت لمنعه من منحي “إذن بالمثول أمام المحاكم اللبنانيّة” تطبيقاً لمبدأ المعاملة بالمثل ولكنّه لم يرضخ لهذه الضغوط. وزايدوا في الإعلام وساهموا في الضغوط على القضاة في حين أنّهم أوّل المؤتمنين على حسن سير عمل القضاء وعدم التحيّز بهذا الشكل خصوصاً أنّهم لم يكونوا معنيّين مباشرة في القضيّة. وهذه الصورة ليست التي نتمنّى أن نصدّرها عن المحامين في لبنان.

دور الإعلام

من المؤسف أنّ قسماً كبيراً من وسائل الأعلام المسيّسة ساهمت في تنفيذ أجندة سياسيّة وفي فبركة جرائم بحق عامر الفاخوري كما أشرنا سابقاً كنعته بـ”جزّار الخيام”، وذلك خلافاً للمناقبيّة الصحافيّة التي تقتضي نقل الحقائق بحياد وتجرّد ومن دون انحياز. والمؤسف أكثر عدم احترامهم مرضه والتشكيك به على الرغم من أنّنا كموكلين عنه أثبتنا بالوثائق مرض عامر وتفاقمه وعلى الرغم من عِلمِ جميع المعنيّين والمتابعين لملفّه بحقيقة مرضه وخطورته.

والمؤسف أكثر تعرّض بعض وسائل الإعلام لحرمة المستشفى التي كان يعالج فيها عامر، ولكرامة الجيش اللبناني الذي كان يقوم بواجبه في تأمين الحراسة.

وحتى اليوم، بعد إطلاق سراح عامر، نجد أنّ الإعلام ينقل وقائع مغلوطة عن القضيّة مستنداً إلى مصادر تدّعي كشف خلفيّات الإفراج عن عامر الفاخوري في حين أنّ لا علاقة لها لا من قريب أو من بعيد بكل القضيّة ووقائعها.

دور الإدارة الأميركيّة:

المؤكّد في قضيّة عامر الفاخوري أنّ أحزاباً وسياسيّين ومسؤولين كبار عمدوا منذ اليوم الأوّل لاحتجازه إلى التدخّل بشكل فاضح وعلني، حتى أنّهم جاهروا بذلك وأخذوا يزايدون على بعضهم في المسألة وبدأوا يحشدون الرأي العام للضغط على السلطات القضائيّة لمنعها من اتّخاذ القرار القانوني الصائب بحقّه. ومع الأسف، هناك من رضخ من القضاة لهذه الضغوط مع علمهم الكامل بأنّ ملفّه مفبرك ولا أساس قانونياً له، وهناك من لم يرضخ.

هذا التدخّل السياسي السافر في عمل القضاء ورضوخ بعض القضاة للضغوط السياسيّة، فضلاً عن تعرّض مواطن أميركي لمعاملة غير إنسانيّة لدى احتجازه، تسبّبت بالتقاطه في السجن لجرثومة لم تعالج في حينه الأمر الذي فاقم وضعه الصحّي إلى حد خطير كاد يودي بحياته من دون أن يحرّك أحد ساكناً، ما أدّى إلى تدخّل الولايات المتّحدة التي لا تقبل بأن تلحق أيّة مظلوميّة بحق مواطنيها أينما كانوا حول العالم.

وأداء السلطة السياسيّة اللبنانيّة الملتوي والعنجهي كاد يُفقد لبنان الفريق الداعم له في الكونغرس الأميركي وعلى رأسه السيناتور جاين شاهين التي لطالما دافعت عن مصالح لبنان الاقتصاديّة ووقفت في وجه كل محاولات وقف المساعدات لجيشه.

فبادرت شاهين، بعد مضي أكثر من 4 أشهر على احتجاز الفاخوري بغية منح فرصة للأجهزة الرسميّة للقيام بدورها بشكل صحيح وللسياسيّين لكف أيديهم عن الملف، إلى تقديم مشروع قانون مع زميلها الجمهوري السيناتور تيد كروز يفرض عقوبات على أفراد محدّدين في لبنان متورّطين أو مساهمين في الإحتجاز غير المشروع لمواطن أميركي. وهذا الأمر استرعى انتباه الإدارة الأميركيّة التي دعمت القضيّة المحقّة، ولاسيّما رئيس الجمهوريّة دونالد ترامب، ووزير الخارجيّة مايك بومبيو، ووزير الدفاع مارك إسبر، والسفير روبرت أوبراين، والمبعوث الخاص روجير كارستينز، ومساعد وزير الخارجيّة دايفيد هايل، ومساعد وزير الخارجيّة لشؤون الشرق الأدنى دايفيد شنكير، ورئيس الأركان المشتركة مارك مايلي.

وفي الواقع أنّ وقوف دولة إلى جانب مواطنها هو أمنية كل لبناني تجاه دولته.

وهذا دليل على أنّ أميركا لم تنتهك سيادة لبنان بأيّ شكل من الأشكال إنّما ما حصل هو انتهاك الأجهزة الرسميّة بضغوط سياسيّة وحزبيّة حقوق مواطن أميركي عبر احتجازه من دون أساس قانوني. ولكن لحسن الحظ، أنّ قضاةً أصحاب ضمير حي وملتزمين قسمهم وشرفهم القضائي، اتّخذوا في نهاية المطاف القرار الصائب. وهذا الأمر يفتح المجال مجدّداً أمام إعادة العلاقات إلى وضعها الطبيعي بعد أن كادت تتضرّر خصوصاً لو كان أدّى هذا الاحتجاز غير القانوني إلى وفاة عامر موقوفاً في السجن.

ويجب أن نشدّد هنا على وجوب ألا يستهين أحد بالدعم الذي تقدّمه السيناتور شاهين للبنان، وقد كان لبنان على شفير خسارة أحد أبرز داعميه في الكونغرس، والعضو الأكثر تأثيراً في لجنة الشؤون الخارجيّة في مجلس الشيوخ، وهي متأهّلة من المحامي بيل شاهين اللبناني الأميركي الذي ما زال لبنان في قلبه وعقله.

يجب قبل الختام، أن أؤكّد أنّنا كلبنانيّين أميركيّين لطالما أردنا الأفضل لوطننا لبنان ودعمناه باستمرار، والمؤكّد الآن بعد انتهاء هذه الأزمة أنّنا سنسعى بكلّ قوّتنا لمساعدته بما يحقّق مصالح الشعب اللبناني الحبيب.

وختاماً أود أن أشكر زميلي المحامي فرنسوا الياس في لبنان الذي ساندني طوال الطريق في الدفاع عن عامر الفاخوري، وأود أن أشكر أيضاً كلّ من ساهم في إطلاق سراح موكّلي وعودته إلى عائلته حيث يخضع الآن للعلاجات الدقيقة لمرضه الخبيث المتفاقم”.