كتبت باتريسيا جلاد في “نداء الوطن”:
لن يكون لبنان البلد الوحيد الذي سيعيد هيكلة ديونه. رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، أعلن أن دولاً عدّة ستحتاج إلى تخفيف أعباء الديون أو إعادة هيكلتها بسبب تأثير فيروس كورونا على اقتصادها. هذا الأمر يشعر اللبناني أن “شدّة” التخلّف عن تسديد الديون وطلب إعادة الهيكلة ستطاول كبرى الدول مع فارق ” بسيط” أن عدم قدرة لبنان ناجمة عن فساد حكامه، في حين أن الضعف الإقتصادي في سائر الدول ناجم عن صفعة “كورونا” التي أثمرت شلالاً ناجماً عن إغلاق الحدود ووقف حركة الطيران ما انعكس تهاوياً في أسعار النفط الى أسعار قياسية.
التوقف عن دفع كامل الديون المترتبة على لبنان والتي أعلن عنها لبنان الأسبوع الماضي وتحديداً في 23 آذار يعني تقنياً في عالم المال أن لبنان في حالة total default أو تخلّف كلّي عن الدفع.
ويترتب على ذلك استناداً الى مصدر مصرفي مطلع أمران:
“الأول، هو اتباع المعايير المحاسبية الدولية مما يستوجب تكوين مؤونات لا تطال فقط سندات خزينة اليوروبوند الصادرة بالعملة الأجنبية، بل تطال أيضاً السندات الصادرة بالليرة اللبنانية وأكثر من ذلك ودائع المصارف لدى البنك المركزي بالعملة الأجنبية وهنا الطامة أو المشكلة الكبرى.
واذا طبقت المعايير المحاسبية الدولية بكاملها نتيجة هذا التخلف، ستكون قيمة المؤونات أكبر من حجم الرساميل المصرفية الموجودة. الأمر الذي يؤدي الى “اختفاء” تلك الرساميل لتصبح على الورق سلبية، ما يعني أن إعادة تكوين رأسمالها وأموالها الخاصة وإعادة هيكلتها، ضرورة ملحّة يجب إنجازها بأسرع وقت ممكن. فالمؤونات تعتبر عموماً خسائر متوقعة وليست واقعة، استناداً الى نظام المعايير المحاسبية العالمية، لذلك قد يعتبر البعض ان كل ذلك هو عبارة عن أرقام على الورق.
أما الأمر الثاني المترتب عن حالة التخلف الشامل عن تسديد الديون، فيكمن في إصابة الثقة المالية والنقدية في لبنان بشكل كبير. فلبنان بلد التحاويل، والتحويلات الى البلاد والبالغة نحو 8 مليارات دولارات سنوياً، لم تكن تقتصر على مساعدات المغتربين لأهلهم فحسب، بل كانوا يحوّلون مدّخراتهم لإيداعها في لبنان، باعتباره ملاذاً آمناً، في قطاعه المصرفي الذي لا يمكن ان يلحق به أي أذى، وفي قطاع لم يخلّ يوماً بالتزاماته”. ويضيف:” نتوق في لبنان الى التصدير والإنتاج، ولكن منذ الإستقلال ولغاية العام 2019 كان بلد التحاويل أكثر من بلد التصدير، وكان بلداً مالياً، والحسابات المالية هي التي كانت تعزز اقتصاده وماليته خصوصاً للفترة التي تسبق العام 1975، أما بعد العام 1980 فتغيرت الأوضاع وتغيرت المقاييس وانسحب الوضع على السنوات التي تلته، وبذلك من غير الصحيح القول إن مالية لبنان تغيرت منذ العام 1993″.
كيفية الملاحقة!
وبالعودة الى تداعيات التخلف عن دفع البلاد ديونها، من الناحية القانونية، لم يعد خافياً على أحد أن لبنان بلد غير مفلس …طالما أنه أعرب عن مبادرة حسن نية مع الدائنين مطالباً بإعادة هيكلة ديونه واستعداده للتفاوض معهم وعرض اقتراحات بعد إنجاز خطته الإقتصادية الإنقاذية التي يعمل عليها حالياً .
فالمشكلة في لبنان إستناداً الى المرجع القانوني ورئيس JUSTICIA بول مرقـص في حديثه الى “نداء الوطن”، “تكمن في عدم وجود قرار سياسي برفع الحماية السياسية عن الفاسدين وغياب الحوكمة الاقتصاية الصحيحة منذ سنين طويلة”.
وفي ما يتعلق بالسيناريو الأسوأ الذي يمكن ان يقدم عليه الدائنون يشير الى أن “ثمة قانونين على الأقل في العالم ينظمان هذه المسألة وهما UK State Immunity Act لعام 1978 والقانون الأميركي الشهيرUnited States Foreign Sovereign Immunities Act (US FSIA) للعام 1976”. وبصرف النظر عن التفاصيل الاجرائية على أهميتها، يشير مرقص إلى بعض النقاط:
أولاً، إن المبدأ هو وجود حصانة سيادية Sovereign Immunity تحمي ممتلكات الدولة اللبنانية ما عدا بعض الاستثناءات الضيّقة حيث تسقط الحصانة (إذا كانت الأصول والممتلكات تستعمل لأغراض تجارية في الولايات المتحدة، إذا لم تكن مشمولة بالأغراض والمهام الدبلوماسية والقنصلية، قرار تحكيمي بوجه الدولة، التنازل عن الحصانة، محاولة الدائنين ربط الأصول والممتلكات بأعمال إرهابية…).
ثانياً، تفرّق هذه القوانين بين ممتلكات الدولة اللبنانية وممتلكات مصرف لبنان. وهذا المبدأ قد لا يثني الدائنين عن السعي لإلقاء الحجز على ممتلكاتها أو ممتلكات مصرف لبنان. وسبق للمحاكم الانكليزية ولمحاكم نيويورك أن تصدّت لهذه المسألة، ولدول تخلّفت عن دفع استحقاقات ديونها أن واجهت هذه التحدّيات ومنها الأرجنتين.
وبالنسبة الى احتياطي الذهب الذي كنا نتغنى به ونعوّل عليه لفترة الأزمات ونخشى عليه اليوم من إمكانية الحجز عليه يقول مرقص، “الذهب العائد للبنان الذي نزوره في الطابق السفلي للمصرف الفدرالي الأميركي في نيويورك سيكون في منأى عن الحجز، على اعتبار أن الذهب مملوك من مصرف لبنان أو ” لحسابه ” Held for his own account وليس من الدولة اللبنانية. ويمكننا تفسير القانون اللبناني الذي ينظّم وضعية الذهب والصادر العام 1986، على هذا النحو الوقائي”.
الحجز على أموال مصرف لبنان
ويلفت الى أنه “رغم ما تقدّم من خلاصة مطمئنة، فإنه يجب عدم إهمال إمكانية لا بل احتمال سعي الدائنين للحجز على أموال وممتلكات الدولة اللبنانية ومصرف لبنان. وقد حصل ذلك على الأقل مرتين في السابق، الأولى عندما صدر قرار تحكيمي في حق الدول اللبنانية والثانية عند محاولة حجز طائرة الميدل إيست في مطار اسطنبول. ولذلك صار تكليف مكتب محاماة أميركي – دولي من مجلس الوزراء”.
وفي الختام يستبعد مرقص في الفترة الراهنة ان يلجأ الدائنون للإجراءات القانونية، بسبب جمود الآليات القضائية نتيجة تفشي كورونا، بحيث يفضلون الحلول الحبية”.