كتب إيلي الفرزلي في صحيفة “الأخبار”:
يعجز اللسان عن الكلام أمام إنسانية محمد شقير. من أين له هذه القدرة على المبادرات. مع كل مبادرة يتضح معدنه أكثر. نادر هو، ومبادراته أيضاً. ترك بصمة لا تُنسى في وزارة الاتصالات ورحل. لكنه عاد. أمثاله لا يتركون الإنسانية تغرق. الفقراء ومتوسطو الحال، العمال والموظفون، جميعهم أمانة في رقبته. لكنه مؤتمن أيضاً على مصالح أقرانه من مراكمي الثروات وسارقي تعب الناس. بين هذه وتلك، لا بد أن يختار أبناء جلدته، لكنه لتواضعه لا يشهر ذلك. يفضّل، هو الحربوق، أن لا يسمّي الأشياء بأسمائها. فلتكن مبادرة تهدف إلى «توفير الدعم لعمال وموظفي القطاع الخاص في ظل الظروف القاهرة التي يمر فيها لبنان». البداهة أن يُظن أن من يطلق مبادرة ينفذها هو، لكن رئيس الهيئات الاقتصادية لا يدفع من جيبه إلا للقبضايات الذين يحمونه من حب الناس. لذلك، قرر هذه المرة أن يصرف على مبادرته من جيب الضمان الاجتماعي، وبشكل أدق من جيب المضمونين، الذين يجمعون طيلة عمرهم بعض الأموال التي قد تقيهم العوز في تقاعدهم.
«يا حلو بانت لبّتك أول ما دابت قشرتك»، تقول الأغنية من فيلم «الكيف» التي أدّاها محمود عبد العزيز. وهي قد تعبّر عن شخصية شقير، الحالمة، تاريخياً، بأموال الضمان. الحالمة باختفاء هذه المؤسسة الاجتماعية التي تتعارض مع فلسفته الاقتصادية، الرافضة لأي ضمانات أو حقوق للعمال. هؤلاء يجب أن يكونوا عبيد رأس المال. ينالون الفتات أيام الأرباح الطائلة، ويتم التخلي عنهم عند أول مطب.
يقول شقير بالحرف: «إننا نطلق هذه المبادرة الإنسانية ونضعها بين أيدي المسؤولين، ونأمل من خلالها توفير ولو جرعة دعم للعاملين في القطاع الخاص لتوفير الحد الأدنى من حاجاتهم وحاجات عائلاتهم الحياتية والمعيشية».
«المبادرة الإنسانية» مدروسة جيداً، ولا تحتاج إلا إلى التنفيذ. الخبير بلغة الأرقام والعالم بأمور الضمان، يقول إن تكلفة الدعم في حال تم دفع 675 ألف ليرة تكون التكلفة حوالى 300 مليار ليرة (مع احتساب وجود 450 ألف منتسب إلى الضمان)، وفي حال تم دفع مليون ليرة، تصبح التكلفة حوالى 450 مليار ليرة.
درسها شقير جيداً، وخلص إلى أنه يسهل دفع هذا المبلغ من فائض أموال صندوق نهاية الخدمة الذي تبلغ قيمة موجوداته 13.4 ألف مليار ليرة، بالرغم من أن هذه الأموال ليست ملك الصندوق، بل تمثّل مجموع حسابات فردية بأسماء المضمونين، كل المضمونين الذين يراكمون الاشتراكات طيلة حياتهم المهنية.
لكن لا داعي للقلق. لا قيمة لكلام شقير. ما سمّاه مبادرة هو أقرب إلى حفلة تفاهة، وقد انتهت قبل أن تبدأ. ولولا كورونا، لكان اسم شقير قد خُلّد بوصفه مطلق انتفاضتين.