كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
رحل نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدّام آخذاً معه معظم الأسرار المهمة التي تتعلّق بالواقع اللبناني، في حين أن خدّام عايش اللحظات المهمة في تاريخ لبنان وسوريا على حدّ سواء.
يحاول بعض اللبنانيين، الذين كانوا على علاقة وثيقة بفترة حكم خدّام، تجزئة النظام السوري، على رغم أن الجميع يعلم أن تركيبة النظام حديديّة ولا مجال للعب خارج السياسة العامة التي يرسمها، فمحاولة تبرئة خدّام من ارتكابات النظام ووضعها في سلّة الرئيس الراحل حافظ الأسد غير صحيحة، ومحاولة القول إنّ الأسد لم يكن يعلم بالقرارات الجائرة وإلقاء كل المسؤولية على خدّام لا تمرّ على أحد.
حتى عند رحيل هذا الرجل حصل انقسام داخلي حول تقييم المرحلة، فحلفاء سوريا يهاجمونه على رغم أنهم كانوا يعملون تحت إمرته، في حين أن مكونات “14 آذار” إنقسمت حول هذا الشخص، فمنهم من أعطاه “صك” براءة بسبب انشقاقه عن النظام السوري بعد 2005 ودعمه للثورة السورية إضافةً إلى “علاقته المميزة” بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، وآخرون يؤكّدون أنه كان مجرماً بحقّ لبنان ومحتلاً “مستبدّاً” وانشقاقه لا يعفيه مما اقترفت يداه سابقاً.
“الحليف”؟
ومن بين السياسيين اللبنانيين الذين سارعوا إلى رثاء خدّام كالوزير السابق جمال الجرّاح الذي ربطته بالرجل علاقة صداقة متينة.
يقول الجرّاح لـ”نداء الوطن” إن “النظام السوري كان بأجنحة عدّة، وطبعاً خدّام كان من ضمن تركيبة النظام، لكن ما كان يهمني هو علاقة خدّام بالرئيس الشهيد رفيق الحريري حيث كانت علاقة صداقة ومحبّة واحترام متبادل، وكان يتدخّل دائماً لحل القضايا الخلافية ويساند الحريري عندما كان يتعرّض لظلم من حلفاء سوريا في لبنان أو حتى من النظام”.
يروي الجرّاح أن علاقته بخدّام قديمة، ويخبر أنه “بعد جنازة الحريري صعدا سوياً إلى شتورا وفي الطريق قال خدّام: “قصفولي ضهري”، وسرّعت هذه الجريمة إنفصال خدّام عن النظام لأنه كان بإمكانه الإستمرار”، حسب رأيه. يعتبر أن “خدّام كان على قناعة أن النظام السوري هو من اغتال الحريري، فقد قصده قبل وقوع جريمة الإغتيال ونقل إليه الكلام الذي كان يقال في دمشق وحذّره مما يحضّر له وتمنى عليه مغادرة لبنان، لكن الجريمة كانت أسرع، لذلك كان خدّام شاهداً أساسياً في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وقال كل ما يعرفه عن النظام السوري”.
يشرح الجرّاح أن “بعد انتخاب الرئيس بشار الأسد بسنة تقريباً تمّ كفّ يد خدام عن لبنان وبدأ نفوذه يتراجع، وبعد انشقاقه عن النظام أسس في باريس “جبهة الخلاص” مع “الإخوان المسلمين” وكان داعماً أساسياً للثورة السورية ويريد حكماً ديموقراطياً في دمشق، لكن تطورات الميدان نسفت كل شيء”.
كان خدّام ممتعضاً من تعاظم النفوذ الإيراني وكان يعتبر أن سوريا هي قلب العروبة النابض وعليها ان تكون ضمن الحضن العربي لا أن تتحوّل ورقة في يد إيران. رجل مثل خدّام كان مطلعاً على كل تفاصيل اللعبة السورية، وبالتالي يحمل الكثير من الأسرار، لذلك يشير الجرّاح إلى أنه برحيله “رحلت أسرار كثيرة لأنه ليس من النوع الذي كان يفشي سراً”.
وأمام دوره المتعاظم، لا يصدّق أحد أن خدّام لم يكن على علم بالإغتيالات في لبنان، لكن الجرّاح يخبر أن “خدام كان يقول له إنه لا يعلم شيئاً وكان يسمع بها في الإعلام، والعمليات الأمنية لا يعلم بها من يتعاطى السياسة”.
تزوير التاريخ
تُعبّر وجهة نظر الجرّاح عن كثر من السياسيين اللبنانيين الذين عايشوا تلك المرحلة، إلا أن هناك رأياً آخر، حيث يؤكد النائب بطرس حرب لـ”نداء الوطن” أن “كل الكلام عن أن خدّام لم يكن مسؤولاً عما حصل في لبنان أثناء فترة نفوذه غير صحيح وهذا تزوير للتاريخ، لأنه كان يطبق على لبنان ويحكمه بالقوة مستعملاً الأجهزة السورية واللبنانية”.
ويوضح حرب أن “خدّام كان حاضراً بكل تفاصيل الحياة السياسية والأمنية اللبنانية إما مباشرةً أو عبر أعوانه وحلفائه، وهو كان المندوب السامي الذي كان يحكم لبنان من دمشق فيما كان غازي كنعان وبعده رستم غزالة من حكما لبنان أمنياً من عنجر، وبالتالي محاولة تبرئته من المسؤولية لن تمرّ لأن هناك حقائق تاريخية وتجاوزات لا يمكن نسيانها، إذ إنه كان يركّب اللعبة السياسية منذ ما بعد “الطائف”، وقد خفّ نفوذه تدريجياً بعد انتخاب الأسد الإبن”.
ويرى حرب أن “بعض القوى السياسية حاولت أن تتناسى أو تتغاضى عن ارتكابات الرجل بسبب موقفه بعد اغتيال الحريري من ثمّ دعمه للثورة السورية إضافةً إلى علاقته بالرئيس الحريري، لكن كل ذلك لا يُغيّر الواقع ومجرى أحداث التاريخ التي حصلت، إذ لا إمكانية لفصل خدّام عن النظام السوري لأن النظام كان واحداً والإنشقاق حصل لاحقاً، أي بعد 2005”.
المعارضة المبدئية
ولا يمكن ذكر تلك المرحلة من دون العودة إلى معارضة البطريرك الراحل مار نصرالله بطرس صفير للإحتلال السوري والممارسات التي كانت تحصل، وصمد صفير في وجه كل محاولات الترغيب والترهيب التي كان يقودها النظام أو حلفاؤه في الداخل.
وفي السياق، يشدّد المطران يوسف بشارة الذي كان راعي لقاء قرنة شهوان بتكليف من صفير على أن “بكركي لم ترضخ لكل المحاولات السورية في تلك المرحلة وبقي صفير على موقفه ولم يتزحزح عن مبادئه”.
ويقول بشارة لـ”نداء الوطن”: “كنا نعارض نظاماً بأكمله إحتل لبنان ومطلبنا كان واضحاً وهو السيادة والحرية والإستقلال، لذلك لم نفرّق بين شخص وآخر من ذلك النظام”.
ويروي أن “النظام السوري حوّل المؤسسات اللبنانية العاملة تحت إمرته لذلك كان واجباً رفع الصوت في وجه أركان النظام السوري وحلفائه في الداخل، والجدير ذكره أن كل أنواع الضغوط مورست على بكركي والبطريرك صفير لدفعه إلى التوجه إلى سوريا أثناء زيارة البابا يوحنا بولس الثاني العام 2000 لكن بطريركنا رفض، وهو كان صاحب شعار إنني لا أذهب من دون ضمانات تتعلق باستقلال لبنان، ولا أذهب بلا رعيتي، لذلك كانت معارضتنا مبدئية لكل النظام السوري ولم ندخل في لعبة التجزئة”.