Site icon IMLebanon

التعيينات المالية: الالتزام بالحكم الجيد بعدم تعارض المصالح

كتب جو سروع في “الجمهورية”:

الثابت حتى الآن في عملية التعيينات هذه، هو استمرار تحكّم النهج التقليدي الذي اتُّبع تاريخياً بها، والمبني على المحاصصة والتَمترس وراء مصالح الفرقاء السياسيين بشتى السبل والأساليب.

ويحضرني في هذا المجال، على سبيل لفت نظر الحكومة المعنية أساساً بهذا الأمر، أنّ التمسّك بالقيام بذات العمل والجهد due diligence في المجال نفسه، وبغضّ النظر عن اختلاف الأوقات والأزمنة والظروف، سيعطي النتائج ذاتها. وهذا اليوم أكثر من أي يوم مضى، “مسألة يجب أن يكون فيها نظر” وتستلزم التخلّي عن كل ما هو عُرف أو متعارف عليه، لمصلحة كل ما هو حكم جيّد وإدارة رشيدة. ويكون ذلك باعتماد وتطبيق نظم وأساليب ومنهجية، تؤدي إلى قرار تعيين الأفضل في مهنته، قادر أو قادرة، على تأكيد استقلاليته أو استقلاليتها، وقطع الطريق أمام محاولات التأثير على القرار، وعند الضرورة تسمية الأشياء بأسمائها، من دون تورية، أيّاً كان خلف هذه الأشياء.

الهدف هو مصلحة البلد والناس بكفاءة وكفاية في اتخاذ القرار وشفافية الأداء والالتزام بمبدأ تفرقة المهمات وفصل المسؤوليات. إذاً من الضروري أن تقوم عملية التعيينات عموماً والمالية خصوصاً، على سياسات ونُظم فاعلة وتنطلق من آليّات فعالة وموثقة ومعتمدة مسبقاً، ومعلنة بشفافية، والإفساح في المجال أمام كل لبناني في الداخل والخارج، بالتقدّم بطلب لملء الفرصة المُتاحة، ضمن الشروط والكفاءات المطلوبة.

ونظراً إلى الأهمية الاستراتيجية للتعيينات وضيق الوقت، نرى أن تُعهد عملية التحضير العلمي لقرار التعيين إلى فريق عمل يتألف من عدد محدود من المتخصصين البارزين في قطاع الموارد البشرية، وتحديداً في موضوع التعيينات المالية، تُعيّنه الحكومة حسب الأصول والقوانين المرعية الإجراء، وتوافق على منهجية مهمته الهادفة إلى التوَصّل عبر التصفية العملانية والمهنية للمتقدمين، إلى لائحة تضمّ أسماء ثلاثة مؤهّلين أو أكثر لكل موقع، وفقاً لما ورد في مهمة الفريق، ويكونون ممّن تميّزت جدارتهم المهنية، وتم التحقق من عدم وجود أي تعارض مصالح بين متقدمين إلى التعيين حالياً، ومسارهم، ومسارهم المهني الأسبق. وهذا الأمر من أهم شروط التأهيل للتعيين ومدعاة للاستبعاد الفوري، بغضّ النظر عن المؤهلات الأخرى للمستبعد لهذا السبب.

ويُعرّف تعارض المصالح في القطاعين العام والخاص بأيّ علاقة مصلحة مع أية مؤسسة مصرفية ومالية خاضعة لمراقبة المصرف المركزي ولجنة الرقابة على المصارف، وذلك إمّا مباشرة بما فيها الوظيفة من خدمات متبادلة… وغير مباشرة تحقق مصلحة لعائلة المتقدم وأقربائه.

ويبقى قرار التعيين للحكومة، ويبقى لباقي السلطات المعنية الأخرى الحق في ما خَصّتها بها القوانين، بما يتعلق بالمراقبة والتحقق والتحقيق والمحاسبة. من هذا المنطلق، انّ عملية تعيين نواب الحاكم، وأعضاء لجنة الرقابة يجب أن تُحرر من مسارها التقليدي، وأن تحصّن استقلاليتها المطلقة ضمن القوانين المرعية الإجراء، وأن تتم كما ورد سابقاً والانفتاح على المؤهلين المتقدمين للتعيين من داخل البلد وخارجه.

انّ لبنان يختزن ثروة كبيرة من المؤهلات والخبرات المصرفية والمالية، تشغل مواقع قيادية في مختلف نواحي الصناعة المصرفية العالمية. ومن شأن الاستعانة بها في المواقع المالية المتقدمة، أن تساهم في تطوير الخطة الانقاذية المرجوّة. وكذلك من الممكن أن تعطي دفعاً إنتاجياً ومعنوياً، لأية عملية جدية تهدف إلى استعادة الثقة في القطاعين المصرفي والمالي، وإلى دعم جهود تحفيز النمو في اقتصادنا. من الخطأ الاعتقاد أنّ عملية تعيين نواب حاكم المصرف المركزي ورئيس لجنة الرقابة والأعضاء، تحمل أهمية وضرورة للداخل فقط، بل هي أيضاً موضع متابعة من مهتمّين كثر بالشأن اللبناني، وهم يراقبون بعين نسر مدرجات العملية برمّتها ومخرجاتها، وبكافة حيثياتها ومدى التزامها بمبادئ وأصول الحكم الجيد، وذلك لتأثيرها المُحتمل في تطورات الأزمة المالية والمصرفية والنقدية اللبنانية، وبالتالي مسار الاقتصاد اللبناني، وكذلك في مسار عملية إعادة هيلكة دين لبنان السيادي بالعملتين الأجنبية واللبنانية، بانتظار الخطة الانقاذية الشاملة للبلد، التي تتضمّن وفق ما صدر عن أصحاب الشأن، عناوين وإصلاحات هيكلية ظاهرها مثير للجدل، ويلزمها موارد بشرية ومالية مؤثرة.

إننا نقدّر المجهود الكبير الذي تقوم به الحكومة، والتعامل بصبر وجَلد مع الأزمات المالية والاقتصادية والانسانية، التي عاني منها لبنان وتفاقمت مع بدء عملها، وندعو إلى الالتفاف حولها، وتركها لتعمل كي تعطي معنى لكل الكلام الذي صدر عنها إلى الآن، في شأن خطة الإنقاذ المرتقبة. إذ انّ الوقت مهم، ولكنه سلعة غالية الثمن، ووحده يعطي النتائج قيمة وليس الأرقام.

وفي الخلاصة، إنّ أي مسار لقرار التعيين من شأنه أن يقلّل من فعالية الحكم الجيد، سيعرّض نتائجها للتشكيك في فاعليتها والشك في استقلاليتها وإمكانيات مواءمتها لتعقيدات ومخاطر الأزمة المالية والنقدية المتصاعدة.