كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
لم يفصح نائب الأمين العام الشيخ نعيم قاسم عن هوية القوى السياسية التي “أزعجتها الحكومة فوتّرت المراهنين على إسقاطها”. أكثر من فريق “تحت باطه مسلّة”. لكنه بالتأكيد لا يقصد رئيس مجلس النواب نبيه بري ولو أنّ الأخير قرر قيادة المواجهة مع حكومة يفترض أنّه واحد من “آبائها”.
جلّ ما أراد قاسم التصويب عليه هو ما سبق للأمين العام السيد حسن نصرالله وحدده من خلال رسم “قبة حديدية” فوق رأس الحكومة، التي تواجه أقسى ظروف معيشية واقتصادية واجتماعية وصحية، لم يسبق لحكومة سابقة أن واجهتها.
فمن يدرك طبيعة العلاقة التي تجمع “حزب الله” وحركة “أمل”، يعرف جيداً أنّ قيادة “الحزب” لن توجه ملاحظاتها عبر المنابر المكشوفة، وبالتالي لن يكون الرئيس بري من صنف المراهنين على سقوطها، لأنّه “يعرف البئر وغطاه”. إذ إنّ حساسية العلاقة بين الثنائي الشيعي واستراتيجيتها تصوناها من “شظايا ذوي القربى” وحين تحضر الخلافات والاختلافات فهي حكماً لا تكون موضع نقاش علني، وإنما داخل الغرف المغلقة. وما يسري على ملفات أقل أهمية، ينطبق على الموقف من الحكومة. أما اعتراض بري فله حكايته التي يعرفها “الحزب” من “ألفها” إلى “يائها”.
عملياً، اضطر “حزب الله” إلى التدخّل المباشر لتأكيد حمايته للحكومة بعدما رفع أكثر من حليف بطاقته الحمراء. لكن هؤلاء جميعاً، يدركون أنّ التهويل بعصا الاعتراض لن يدفع رئيس الحكومة حسان دياب إلى التلويح بورقة استقالته، أو اعادة حساباته. حين قرر الرجل قبول تحدي رئاسة حكومة محروقة سلفاً، كان يدرك مدى صعوبة المهمة التي اختارها وما ينتظره من اشكالات قد تحرقه عند أول مفترق طريق.
وهم يعرفون جيداً، أنّه ليس من طينة الذين يتأثرون بتهديد من هنا أو بتنبيه من هناك. سبق له أن ردّ على ما دعاه للاعتذار قبيل تأليف الحكومة، بما مفاده أنّه لا نصّ دستورياً يفرض عليه الاعتذار وبالتالي سيكمل مسيرة التأليف مهما كانت الصعوبات. وهذا ما حصل. يكفيه ما يأتيه من أصداء ايجابية تسطر عن جدارة حكومة في ادارة أزمة الكورونا وتجاوزه “مطب” اليوروبوند بسلامة، كي لا يلتفت إلى الأضرار الجانبية حتى لو كانت من وزن صرخة مدوية يطلقها رئيس المجلس.
فقد حاول دياب التصرف بمنطق وبانسجام مع خيارات حكومته وقراراتها لحماية اللبنانيين، في ما يتصل باعادة فتح المطار أمام جحافل العائدين من المغتربين. وكان جواب كل من يتصل به أنّ نجليه “عالقان” في الولايات المتحدة كما أبناء وزير الاقتصاد وغيره من الوزراء، ممن يرفضون التعاطي مع المسألة على أساس أبناء جارية وأبناء ست. ولذا كان يردّ دوماً “هاتوني بمعايير علمية وخذوا ما تريدون من رحلات آمنة”.
ولكن دياب يدرك جيداً أنّ “فورة” الرئيس بري يراد منها ايقاع عصفورين بحجر واحد: إعادة من يريد من مغتربي أفريقيا، واستهداف سلة التعيينات المالية. واذا نجح في مهمته، سيتمكن من ابقاء الحكومة في مستنقع الكورونا، لاعتبارات لا تتصل أبداً بالخشية من تهريب التعيينات والاتيان بموظفين شيعة على حال خصومة مع الثنائي الشيعي، لأن رئيس الحكومة لن يفعلها أصلاً وسبق له أن تفاهم مع بري على اعتماد معيار الكفاءة، كما أنّ وزير المال غازي وزني هو الذي سيرفع سلة الأسماء وبالتالي لا امكانية للالتفاف على ارادة الثنائي الشيعي.
ولكن لبري حسابات مختلفة ترتبط بهامش حركة الحكومة ومدى قدرتها و”الجواز” المسموح لها بالاقتراب من قضايا حساسة، ومنها مثلاً التعيينات في مواقع بارعة كالمواقع المالية. ويذهب بعض المعنيين إلى حدّ الربط الزمني بين الصرخة التي وجهها بري يوم الأحد، عبر منبر أزرق هو موقع “المستقبل” الالكتروني، وبين التحذير الأول الذي أطلقه “تيار المستقبل” إزاء التعيينات المالية.
ويشيرون إلى أنّ بري يخوض معركة “تيار المستقبل” وليس معركة الثنائي الشيعي، ذلك لأن المعلومات تؤكد أنّ بري سبق له أن وعد رئيس الحكومة السابق سعد الحريري بأنّ حكومة حسان دياب موقتة، بمهمة محددة وهي بالتالي لن تقرب الملفات الدسمة ومنها التعيينات. وما يحصل هو تجاوز لاعتقاد سائد في ذهن رئيس الحكومة السابق، ولهذا سارع إلى “ايقاظ” نادي “رؤساء الحكومات السابقين” الذي فرّقه الاستحقاق الحكومي، لرفع اصبعه تحذيراً من “تعيينات يشتم منها السيطرة على مواقع الدولة”، في وقت كان ينتظر من الرباعي أن يسارع إلى مدّ أبناء طائفته بمساعدات اجتماعية تقيهم شرّ العوز في هذه الأوضاع الصعبة.
أما الاعتبار الثاني الذي دفع بري إلى رفع الصوت عالياً فهي الكوتا المسيحية من التعيينات والتي تعني بشكل خاص “التيار الوطني الحر”. وفق المعنيين، يتصدر بري معركة تحجيم رئيس “التيار الوطني الحر” باسيل في الإدارات العامة وملحقاتها السياسية، من خلال شق الطريق أمام تأمين حصة تيار “المردة”.
ومع ذلك، فإنّ تصعيد رئيس المجلس لا يعني أبداً أنّ مصير الحكومة بات على المحك، ولو أنّه لا يمانع أبداً من قلب طاولتها رأساً على عقب، لكن ما يطمح له شيء والتعامل مع الواقع شيء آخر. فالرئيس بري هو آخر من وضع يده بيد حسان دياب، بعدما أخرج كل أرانبه كي يعيد الحريري إلى رئاسة الحكومة، وهو للحظة يفضل عودة الأخير على ترك الدفة بين يدي دياب، لكنه يعرف جيداً أنّ مصير الحكومة مرتبط بعاملين:
أولاً، صعوبة الوضع الداخلي وتعقيداته لدرجة أنّ أياً من القوى السياسية لا يملك ترف تغيير الحكومة، ثانياً، غياب البديل. فرئيس الجمهورية ميشال عون رفع سقف اعتراضه على عودة الحريري إلى أقصاه، ولا يبدي أي ليونة في هذا الأمر. أضف إلى ذلك، يقول قياديون في قوى الثامن من آذار إنّ الحريري “باع” الحكومة كي يكسب “رضى” السعودية من جديد، وهو بالتالي لن يعود إلى السراي وفق قواعد التسوية الرئاسية. ولذا فإنّ سيناريو عودته غير متوفر أبداً.