كتب زكريا الغول في “اللواء”:
تُصادف في الأول من أيلول من هذا العام، ذكرى مرور مائة عام على إنشاء دولة لبنان الكبير، وباستعراض سريع للأحداث التي مرت خلال المئوية الأولى، نجد ان لبنان تعرض لهزات أمنية وحروب، وإحتلالات ووصايات، تفوق بكثير ما تعرضت له دول تفوقه حجما وإمكانيات، وبعد كل حدث أمني عصف به، كان إقتصاده يصل لحدود الإنهيار، لتنتشله يد الخير من أشقاء وأصدقاء.
لكن ما وصل إليه الحال مع دخول المئوية الثانية، قد يكون أخطر ما تعرض له في تاريخه المثقل بالأزمات، فهو محاصر بأزماته المالية والإقتصادية، فضلا عن سوء إدارة وفساد، وشعر اللبنانيون أنهم متروكون لقدرهم، وبدأ الحديث في البحث عن منقذ.
ففي حياة الشعوب تمر شخصيات، تملك طاقات فريدة في مجال السياسة أو العلم أو الفن او غيرها من الميادين، يمكن أن توظف في خدمة أبناء شعبها، فتجربة مهاتير محمد في ماليزيا، خير مثال عن هؤلاء القادة، وهو الذي تمكن من تحويل ماليزيا الى أحد أهم الإقتصادات المتقدمة في آسيا، وتبرز أيضا شخصية الجنرال ديغول وهو أحد هؤلاد القادة الذين لعبوا دور المنقذ، وقد لمع إسمه في فرنسا والعالم بأجمعه، وأسّس الجمهورية الخامسة وتولىّ رئاستها.
دائما ما يستذكر اللبنانيون تجربة شخصين تركا كبير الأثر في حياة لبنان، وهما الرئيس فؤاد شهاب والرئيس الشهيد رفيق الحريري، فمعهما شعر اللبنانيون أن الدولة، ليست لفئةٍ، بل للبنانيين جميعاً.
فالرئيس فؤاد شهاب الذي انتخب بتسوية أميركية مصرية، بعد أحداث العام 1958، واستمر في الحكم حتى إلى العام 1964، شهد عهده إنشاء مصرف لبنان (بموجب القانون المنفذ بموجب المرسوم رقم 13513 تاريخ 1/8/1963)، كما شهد إنشاء ديوان المحاسبة (مرسوم إشتراعي رقم 118 تاريخ 12/6/1959)، ومن إنجازات عهده إنشاء مجلس الخدمة المدنية (مرسوم إشتراعي رقم 114 تاريخ 12/6/1959)، كما يُحسب لعهد الرئيس شهاب إنشاء التفتيش المركزي (مرسوم إشتراعي رقم 115 تاريخ 12/6/1959)، وصدر أيضاً قانون المحاسبة العمومية (القانون المنفذ بالمرسوم رقم 14969 تاريخ 30/12/1963).
ويحسب للرئيس شهاب أيضاً، أنه هو الوحيد بين رؤساء لبنان الذي رفض التجديد له لولاية ثانية على الرغم من شبه الإجماع على ذلك، ورغم ما وجّه لعهده من انتقادات بخصوص المكتب الثاني ونشاطه.
أما الرئيس الشهيد رفيق الحريري، عرّاب »اتفاق الطائف»، وهو الذي تولّى رئاسة مجلس الوزراء في لبنان بعد أزمة العام 1992 الإقتصادية، في وقت كانت الحرب الأهلية اللبنانية التي أدت إلى خسائر بشرية وإقتصادية هائلة في أحد أطول النزاعات في النصف الثاني من القرن العشرين.
فجاء الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوظّف علاقاته الشخصية على الصعيد الدولي، وطاقاته الذاتية للنهوض بالبلد وإعادة إعماره، فكانت عملية إعادة الإعمار تلك بحاجة إلى شخصية إستثنائية، وكان رفيق الحريري ذلك الزعيم المصمم على القيام بالتضحيات اللازمة لإعادة توحيد مجتمع ممزق وتعزيز ثقافة السلام والإزدهار.
كان رفيق الحريري يُؤمن بأن وحدة البلاد لم تتمّ إلا بوحدة المكان، من هنا حرصه على إعادة إعمار وسط بيروت كي يشكّل مكان للتلاقي والتواصل. وكان تأثيره كبيراً، فعند وقوع الأزمات كان اللبنانيون يشعرون بأنهم بحاجة لرفيق الحريري، فقد كان يشي بالثقة والإطمئنان.
كما ان اللبنانيين لطالما تغنوا بإنجازات الرئيس فؤاد شهاب، على صعيد المؤسسات، خاصة الرقابية منها.
واليوم في ظل كل تلك الأزمات التي تعصف بلبنان، إن على الصعيد الإقتصادي، أو الصحي، فقد وجد اللبنانيون أنفسم معزولين عن العالم الخارجي، ما أعاد للأذهان تجربتي فؤاد شهاب ورفيق الحريري، ونجاحهما في إعادة لبنان على خريطة العالم، فالشعب اللبناني يشعر باليتم، والأزمات قد أنهكته، ونظامه المصرفي الذي لطالما شكل درة التاج في نظامه قد فقد بريقه وخسر الثقة به، والكورونا تحبسه، وأمواله بعيدة عن متناول يده، والشقيق العربي ابتعد عنه، فضلاً عن الأزمات السياسية الداخلية والخارجية التي تعصف به.
قد يمر على لبنان، مستقبلاً رجال يملكون رؤيا صائبة لمستقبل الوطن وشعبه، لكن تبقى شخصيتا شهاب والحريري، مميزتان بإنجازاتهما ورؤيتيهما المستقبلية، لكن هذا النظام الطائفي سيمنعهم من إفادة الوطن عبر طاقاتهم وقدراتهم ورؤيتهم. اللبنانيون، بحاجة لمنقذ يُعيد إليهم الثقة ببلدهم، ويعيد إليهم أشقاءهم وأصدقاءهم، فهل من منقذ، قبل فوات الآوان؟