IMLebanon

“الإشتراكي” ينتقد منطق اختزال الدولة: “ليبارك الله لهم بالتعيينات”

كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:

من موقع المعارض أطلق رئيس “الحزب التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط عبر بيان مسهب لحزبه ملاحظاته حول الأداء الحكومي، وتوجّه بها الى “أولياء أمر الحكومة”، ناصحاً إياهم “أن يخرجوا إلى رحاب العمل الوطني بدل سياسات الكيدية التي تغرق البلاد أكثر فأكثر في أتون الهلاك، وعليه فإنه من غير المقبول إطلاقاً اختزال مؤسسات الدولة والقفز فوق هيئاتها العاملة”. تتداخل الإعتبارات السياسية بالمالية والاقتصادية في البيان لتصب في خانة انتقاد شديد اللهجة لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، الذي بدا حاضراً طيفه من دون ذكره بالإسم. في البعد المعنوي يساوي مضمون البيان تلويح بري بالانسحاب من الحكومة ويلتقي معه على الملاحظات نفسها مع الاختلاف في المصالح أحياناً.

بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الاشتراكي تناغم مزمن. يلتقيان عند المحن وفي المهمات الصعبة. يمكن لهذا التناغم ان يتم عن بُعد متحدياً “كورونا” وحجره المنزلي. يجتمع الرئيس والبيك هذه الايام على الهم الحكومي وأداء رئيس الحكومة وتلك القوى الخفية التي يتجنبان تسميتها، فيما هي متهمة بالسيطرة على الحكومة في ملف التعيينات وغيره. مع فارق أن الرئيس ممثل في الحكومة فيما البيك معارض لها عن بعد. حين علا صوت جنبلاط مطالباً بالالتفات الى مسألة اللبنانيين في بلاد الاغتراب اتهمه وزير الخارجية ناصيف حتي بالمزايدة، ورأى في كلامه الوزير السابق سيزار ابي خليل محاولة “إقطاعي استهلكه تاريخه وبات طاعناً في سن اليأس السياسي لتلميع صورته”، ولكن حين هز بري العصا وهدد بتعليق مشاركة وزرائه في الحكومة انبرت الى ايجاد الحل، وصار رئيس “التيار الوطني الحر” يبحث عن مخرج.

يستهجن الحزب الاشتراكي “إمعان البعض في التمادي بفرض وصايته على الحكومة والإيغال في التصرف بمنطق الاستفراد والاستئثار”. طريقة في المعالجة لا يستهويها جنبلاط الذي بات يلاحظ ان نهج باسيل لا يزال ساري المفعول داخل هذه الحكومة. ومع احترامه لشخص رئيس الحكومة حسان دياب الا انه وعلى ما يلمس لم يستطع تكوين حيثية لحكومته، وهو يبدو مرتهناً لبعض المستشارين في القصر الجمهوري وبعض المستشارين لديه.

ولكن اين يظهر باسيل كي يكون متهماً بالسيطرة على الحكومة؟ الجواب لا يحتاج الى أدلة بالنسبة الى “الإشتراكي”، فصحيح ان رئيس “التيار الوطني” ليس بالواجهة ولكن فريقه يدير اللعبة ومن ضمنه الوزير السابق سليم جريصاتي. “التيار” أوقف التشكيلات القضائية، ويريد ان يختزل الدولة بحالته السياسية.

ملف آخر يقض مضاجع “الاشتراكي” ورئيسه وهو ملف العفو العام الذي يدعو الى إقراره “بأسرع وقت ممكن، على أساس واضح يطال الموجودين في السجون اللبنانية، وذلك بهدف خفض الاكتظاظ الخانق في السجون بالدرجة الأولى، ومنح الحرية للذين قضوا محكومياتهم أو ما زالوا موقوفين من دون محاكمات”. لكن ما يتخوف منه جنبلاط هنا ان يلجأ “التيار” الى إقرار العفو الخاص، لتحقيق مكاسب من بينها إبتزاز “تيار المستقبل” بالموقوفين الاسلاميين، والعبور من خلاله الى إعادة العملاء ممن فروا الى داخل إسرائيل. فالعفو من وجهة نظر “الإشتراكي” يجب أن يخرج من مجلس النواب عبر قانون يحدد شروط العفو وآليته، لا أن نختزل دور الدولة بإصدار عفو على مقياس مصالحهم. هنا ايضاً يتهم الإشتراكي “التيار الوطني الحر” بتعطيل العفو إكراماً لتمرير ما يراه مناسباً لمصالحه الذاتية، على حساب موضوع انساني يساهم في تخفيف الإكتظاط داخل السجون. وموضوع العفو يشترط توافقاً وطنياً بشأنه والا كنا عرضة لحالات انتقام شخصية، ينفذها المتضررون من عودة اي عميل الى لبنان، ويتكرر سيناريو القتل الذي تعرض له أخيراً العميل السابق في صيدا.

في البيان يتجنب “الإشتراكي” الغوص في ملف التعيينات الادارية المالية، لا يعتبر نفسه معنياً “وليبارك الله لهم بهذه التعيينات، علماً أنه سبق لرئيسه وأن تشاور بشأنها مع الرئيس بري ثم أرسل رئيس الحكومة يسأله اذا ما كان لديه اي مطالب معينة حول التعيينات، فأدلى الأخير بدلوه ليفاجأ بعد فترة ان دياب صرّح ان الاولوية للكفاءة فلم يعترض. لا يجد جنبلاط نفسه معنياً بالتعيينات المالية لكن الاستئثار بها من قبل فريق دون الآخرين أمر لا يبعث على التفاؤل.

وفي موضوع المساعدات، يتم الإستغناء عن برنامج دعم الأسر الأكثر فقراً الذي أعدته وزارة الشؤون و”يفتحون دكاكين للمساعدات على حسابهم”. موقفه من المساعدات وعمل وزارة الشؤون يراه “الإشتراكي” خير دليل على كونه لا يتعاطى بكيدية سياسية ولا يقارب المسائل من مصلحته منفرداً، فوزير الشؤون رمزي مشرفية غير محسوب عليهم كحزب ولكن يجب عدم التقليل من شأن الوزارة والإستعانة بها في هذا الملف.

منذ البداية كان جنبلاط من أوائل من منح الحكومة الفرصة وها هو خرج عليها مطالباََ “أن تقدم ورقتها الاقتصادية الواضحة، الكفيلة بفتح الباب للتفاوض الفعلي مع صندوق النقد الدولي كما مع غيره من الجهات المانحة دولياً، عوض استمرار المماطلة القاتلة، فيما الأمور تتفاقم اقتصادياً نحو الكارثة الأسوأ”. والتوصل الى “إقرار سياسة مالية نقدية جديدة تقوم على حماية الودائع أولاً، وتحديداً مدخرات صغار المودعين”. وفي الملف الصحي، فإن الثغرات التي كشفها انتشار كورونا “تستلزم تعاوناً من الجميع من دون استثناء لمواجهة وطنية شاملة تحمي صحة اللبنانيين، وتؤسس لنظام حماية صحية اجتماعية جديد مبنيّ على قاعدة دور الدولة الرعائي”.

يتطلع “الاشتراكي” في ضوء كل ذلك إلى استفاقة وعي وإدراك لدى كل القوى المعنية، وإلى انطلاقة حكومية فعلية “بعيداً من تكرار اللجان وتجارب الهيئات وتعدد المستشارين”، لينتهي بمد “يد الشراكة الحقيقية إلى الجميع على أساس هذه البنود الواضحة، لبناء عمل وطني مشترك هو الحد الأدنى مما يجب القيام به في هذا الزمن الصعب”. فهل من يسمع؟