كتب غاصب المختار في صحيفة “اللواء”:
يبدو ان المطبات السياسية ما زالت تتحكم بسير عمل الحكومة، في بعض الملفات الإجرائية والعملانية، وأكثر، في الملفات التي تتسم بطابع سياسي مغلّف بالإداري، والمتمثل بالتعيينات في الادارات الرسمية، والتي تفتح معارك بين مكونات الحكومة على الحصص، وبينهم وبين قوى المعارضة على طريقة مقاربة الملفات وآخرها التعيينات.
وفي هذا السياق، يبحث مجلس الوزراء في جلسته اليوم في القصر الجمهوري، خمسة مواضيع اساسية ابرزها: الملف الساخن حول التعيينات المطروحة لنواب حاكم مصرف لبنان الاربعة، ورئيس واعضاء لجنة الرقابة على المصارف الخمسة، وثلاثة اعضاء لهيئة الاسواق المالية، ومفوضا الحكومة لدى مصرف لبنان وهيئة التحقيق الخاصة. وذلك بعد ان رفعت الى الوزراء في جلسة الثلاثاء الماضي السير الذاتية لعدد من المرشحين لكل مركز ليتم الاختيار بينهم. وسط استمرار التباين في الصف المسيحي حول الحصص، بين «التيار الوطني الحر» و«تيار المردة»، ووسط اعتراض قوى المعارضة السياسية – النيابية على الطريقة المعتمدة في التعيينات.
كما يبحث المجلس في: عرض وزير الطاقة لسير الاشغال في سد بسري. وعرض وزير الطاقة لموضوع استدراج العروض حول انشاء معامل انتاج الطاقة الكهربائية، وعرض اعفاء المستلزمات الطبية والاستشفائية والمخبرية من الرسوم الجمركية، وعرض آلية إعادة المغتربين الراغبين في العودة بعدما اقرها مجلس الوزراء في جلسة الثلاثاء الماضي، وبعض الملاحظات التقنية عليها لإقرارها بصيغتها النهائية.
انسحاب «المردة» قد يؤدي إلى أزمة حكم واستغراب رسمي لموقف المعارضة
وبخصوص التعيينات المصرفية فقد تضاربت المعلومات حول التوافق عليها، فذكرت مصادر «التيار الحر» انه جرى تذليل المعارضة القائمة داخل مكونات الحكومة امام التعيينات وهي ستقر في جلسة اليوم. لكن مصادر رسمية ذكرت لـ«اللواء» ان الاتصالات ظلت مستمرة طيلة يوم امس لتذليل العقبات، ويبدو انها نجحت في إرضاء رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، لكن لم يُعرف هل في التعيينات المصرفية او ربما يتم ارضاؤه بواحد الان في التعيينات المصرفية، ولاحقاً في التعيينات الادارية الاخرى المقبلة. فيما نفت اوساط مطلعة التوصل الى اي اتفاق نهائي يُرضي فرنجية.
وذكرت مصادر اخرى ان الرئيس نبيه بري دخل على خط الاتصالات، إلاانها لم تتوصل الى نتيجة نهائية مع رئيس الحكومة حسان دياب ومع رئيس «التيار الحر» النائب جبران باسيل، ولا مع فرنجية، الذي يُصر على حصة من عضوين مسيحيين واحد في لجنة الرقابة والاخر مفوض الحكومة، فيما المطروح عليه عضو واحد «تبعاً لتمثيله الحكومي كما تقول اوساط التيار الحر». لكن بند التعيينات لن يُسحب بسبب هذا الخلاف وهي ستُبحث غداً، والأمور متروكة الى نتائج اتصالات ربع الساعة الاخير، او الى ما سيحصل في الجلسة (توافق او تصويت او ربما تأجيل اذا لم يحصل الاتفاق)، علماً ان فرنجية هدد بسحب الوزير الذي سماه للحكومة اذا حصل تصويت لغير مصلحة ما يطالب به.
واذا كان فرنجية يعتمد على دعم حلفائه في «معركة التعيينات» بوجه «التيار الحر»، فإن الثابت ان الحلفاء لن يتركوه في منتصف الطريق، ولا سيما الرئيس بري و«حزب الله». ولذلك يبدو انه رفع الصوت بالتهديد بالانسحاب من الحكومة، ما يعني انه اذا فعلها في هذا الظرف، فقد يكون ذلك مقدمة لانهيارات اخرى في الحكومة وربما الى ازمة حكم!
ولكن بالمقابل، تقول مصادر رسمية متابعة لموضوع التعيينات لـ«اللواء»: انه اذا كان البعض يتحدث عن خلافات بين بعض مكونات الحكومة حول التعيينات المصرفية او غيرها، فهذا امر يحصل داخل الحكومات عادة حتى التوصل الى توافق، لكن لماذا حملة بعض اركان المعارضة على الحكومة وهم خارجها، إلا اذا كان القصد إبقاء قبضة هؤلاء على مفاصل الدولة، ولا سيما على القرار المالي والنقدي الذي امسكوه طيلة سنوات واوصلونا به الى ما نحن فيه من ازمات؟ وقالت المصادر: لذلك لا بد من التغيير ووفق الآلية التي سبق واعتمدها المعارضون انفسهم للتعيينات، ايام كانوا في الحكم وتقاسموا الحصص في ما بينهم. وتستغرب المصادر «إقحام رؤساء الحكومة السابقين في ملف التعيينات، وإعطاء الموضوع الطابع المذهبي السنّي»، وقالت: «انه موقف في غير محله ونافر».
إلاّ ان المتابعين لمواقف الرئيس بري يؤكدون انه لن يسمح في هذا الطرف بانهيار البلد، وهو يواجه ازمات كبرى اقتصادية ومالية ومعيشية، وصحية مع جائحة كورونا، خاصة اذا انفجر الوضع المعيشي في الطرقات نتيجة توقف الاعمال او خفض الرواتب أو شح المال والسيولة. ويقول المتابعون: ان بري سيبقى يتدخل متى وجد لذلك سبيلاً من اجل معالجة الاشكالات القائمة وتسهيل الحلول والتوافقات. لكنه لكن يقف لا مبالياً حيال الاخطاء والتجاوزات لمبدأ التوافق وإلغاء الآخر. ولهذا كان ما تردد عن اتصالات اجراها مع الرئيس سعد الحريري لتفادي ردات الفعل، لا سيما اذا اتخذت طابعاً مذهبياً أو طائفياً.
ويبدو من مسار الامور ان المعارضة خارج الحكم، لن تستكين على ما تصفه محاولات التفرد والسيطرة على مقدرات البلاد من طرف واحد، ويُرتقب ان تكون لها مواقف تصعيدية لاحقاً وسط تفاهم ضمني وليس بالضرورة منسقاً وممنهجاً على التصدي لمحاولات إبعاد مكوناتها عن المشاركة في إدارة البلد ولو من خارج الحكومة، خاصة ان لها وزنا نيابيا كبيرا تستطيع من خلاله التحكم بكل ما يرد الى المجلس النيابي من مشاريع.