كتب سعيد مالك في صحيفة “الجمهورية”:
نصّت المادة /26/ من الدستور أنّ بيروت هي مركز الحكومة ومجلس النوّاب، وبالتالي أي اجتماع لمجلس النوّاب خارج العاصمة بيروت، يُعتبر دستوراً باطلاً.
كذلك، نصّت المادة /34/ من الدستور أنّ أي اجتماع للمجلس النيابي ولكي يكون قانونيّاً، يجب أن تَحْضره الأكثرية من الأعضاء الذين يؤلّفونه، بحيث تُتّخذ القرارات بغالبيّة الأصوات الحاضرة.
وأيضاً، نصّت المادة /45/ من الدستور، أنه ليس لأعضاء المجلس حق الاقتراع ما لم يكونوا حاضرين في الجلسة، ولا يجوز التصويت وكالةً.
كذلك، نصّت المادة /55/ من النظام الداخلي لمجلس النوّاب تاريخ 18/10/1994، على أنّه لا تُفْتَح جلسة المجلس، إلّا بحضور الأغلبية من عدد أعضائه، ولا يجوز التصويت إلّا عند توافر النِّصاب في قاعة الإجتماع.
مما يُفيد وبالخُلاصة، وسنداً لأحكام الدستور ولأحكام النظام الداخلي لمجلس النوّاب، أنه لا دستورية لأي اجتماع يعقده المجلس النيابي خارج مقرّه في بيروت، ولا دستورية لأي إجتماع ما لم تَحْضُره الأكثرية من عدد أعضائه داخل القاعة (المادة /34/ من الدستور). ولا دستورية لأي تصويت لأي نائب، ما لم يَكُنْ حاضراً الجلسة شخصيّاً داخل القاعة (المادة /45/ من الدستور).
صحيح أنّ عقد أي جلسة لمجلس النوّاب، خارج هذا السِياق، وعبر وسائل التواصل والتقنيّات الحديثة المرئيّة والمسموعة، لا يُمْكِن الطعن به (بِشكل مُستقّل) أمام المجلس الدستوري، لا سيما أنّ المادة /19/ من الدستور حدّدت صلاحيات المجلس الدستوري بالنّظر في دستوريّة القوانين، وبالطعون النيابية ورئيس الجمهورية، لكن بالإمكان التطرُّق إلى هذه المُخالفات الدستورية، في سِياق طعن بعدم دستوريّة أي قانون يصدر عن هكذا جلسة. عندها يحقّ للمجلس الدستوري التعرُّض إلى هذه المُخالفات، لِبيان مدى دستوريّتها مِنْ عدمه.
يستند رئيس المجلس النيابي إلى نظرية الظروف الإستثنائية، لتشريع نظرية ممارسة المجلس النيابي مهامه عبر وسائل التواصُل والتقنيّات الحديثة.
ولكن على سبيل المثل، في «ولاية نيويورك»، حيث بؤرة الوباء، وتَفَشّي «كورونا»، وحيث حَصَدَ هذا «الفيروس» أكثر من ستيّن ألف مُصاب، وأكثر مِنْ ألف ضحيّة، إنعقد بالأمْس القريب «كونغرس ولاية نيويورك» (NEW YORK STATE LEGISLATURE) وهي الهيئة التشريعية «لنيويورك»، وأُقرّ حزمة من القوانين، مواكبةً لهذا الوباء وبِغَرض مواجهته.
إنعقد «كونغرس ولاية نيويورك» في مقرّه في الولاية، حيث الهواء مُسمّم، والضحايا يتساقطون بالمئات والآلاف… كذا… فيما مجلسنا الكريم يَخْشى نوّابه من أن يَطأوا «ساحة النجمة»، خوفاً على أرواحهم وأعناقهم، غير آبهين بمصير شعب بأكمله، يُعاني الأمّرَيْن.
ونسأل في هذا السياق، لماذا يُمكِن لمجلس الوزراء أن يجتمع دوريّاً وأسبوعيّاً، ولمّا يزل، وفي مقرّه، مع اتّخاذ إجراءات الحيطة والحذر، ولا يُمكن لمجلس النوّاب ذلك ؟.
لماذا لا يُقرّر المجلس النيابي عقد جلساته في أقضية لم يَصِل إليها «كورونا» بعد، كزحلة والبقاع الأوسط وراشيّا وجزّين مثلاً ؟.
ألم يحصل أن انعقد المجلس النيابي عام /1982/ في الفيّاضية لانتخاب رئيسين للجمهورية، وفي القليعات لانتخاب رئيس للجمهورية أيضاً، وفي شتورة كذلك ؟.
فلماذا اليوم، التشريع عن بُعْد، بعيداً عن الإعلام والصحافة، وكاميرات التصوير والتسجيل ؟.
ليس المُزايدة، لكن للسؤال عن أي ظروف استثنائية نتكلّم.
إنّ تعريف الظروف الإستثنائية، وسنداً لأحكام المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966، نصّ على أن حالات الطوارئ الإستثنائية، هي الحالات التي تُهدّد حياة الأُمّة.
فهل نحن أمام هذا التهديد والذي يُهدّد حياة الأُمّة بأجمعها ؟.
وعلى سبيل الإستطراد، وفيما لو أجَزْنا إستثناءً، التشريع عبر الوسائل التقنيّة الحديثة…كذا….
فما الذي يضمن توافر النصاب داخل الجلسة الإلكترونية ؟ علماً أنّ الدستور والنظام الداخلي لمجلس النوّاب، وكما سبق البيان، فرضَا حضور الأكثرية من عدد النوّاب عند افتتاح الجلسة، كذلك عند التصويت على أي قانون ؟.
وبالخُلاصة،
أ – لا دستورية لأي جلسة تُعقد خارج النصّ الدستوري.
ب – لا ظروف استثنائية قاهرة، تفرض التشريع الإلكتروني عن بُعْد.
ج – واستطراداً،
وبحال الذهاب باتجاه «التشريع الإلكتروني»، إعتماد ضوابط وآلية خاصة لمِثل هكذا جلسات، أهمّها التصويت على أي قانون بالأكثرية المُطلقة من عدد النوّاب (أي /65/ نائباً ويزيد) وعدم الاكتفاء بغالبيّة الحضور، لا سيما أنّه يتعذّر احتساب النصاب في هكذا جلسات.
كلّ ذلك، حتى نُجنّب أي قانون الطعن أمام المجلس الدستوري، رغم أنّ أبواب الطعن كثيرة وعديدة.