كتب محمد دهشة في “نداء الوطن”:
اختصر مشهد اللبناني عبد السلام تمساح “ابو داوود”، البالغ من العمر سبعة عقود ونيف، وهو يبحث في احدى حاويات النفايات في مدينة صيدا عن فتات طعام ليقتات به، حال الفقر والجوع التي بلغتها أيام “الكورونا” في ظلّ الحجر المنزلي التزاماً بالتعبئة العامة وحالة الطوارئ الصحية، منعاً لتفشي “الفيروس” والذي تحوّل الى “كابوس” يطارد اللبنانيين في يومياتهم العادية مع انقطاع موارد رزقهم وعيشهم، أو فقدان عملهم بشكل كامل. أبو “داوود” الذي يعيش في صيدا منذ خمسين سنة، يقطن مع زوجته في شبه منزل، على سطح أحد الأبنية القريبة من ساحة “النجمة” وسط المدينة، “ينش” في الشتاء وهو غير صالح اصلاً للسكن. ضاقت به سبل الحياة، بعدما تفاقمت الأزمة المعيشية الناجمة عن تردي الوضع الاقتصادي، فقد عمله ليبلغ ذروة الجوع مع الاجراءات المتخذة في مواجهة “الكورونا”، فبات يقصد حاويات القمامة، ويبحث فيها عما يقتات به.
يقتات من الفتات
يقول “أبو داوود” لـ”نداء الوطن”: “لقد ضاقت الدنيا الرحبة بي، بعدما فقدت عملي اليومي في مرآب عمومي للسيارات، بسبب استفحال الأزمة الإقتصادية من جهة، وإصابتي بالمرض، فدخلت الى المستشفى وأجريت سلسلة عمليات وتعافيت، فحاولت البحث عن عمل بديل أعتاش منه ولكن دون جدوى”، قبل أن يضيف “عملت على كنس وتنظيف شارع قرب منزلي لقاء مبلغ ثلاثة آلاف ليرة لبنانية وهي غير كافية، ثم بجمع الخردة من حاويات النفايات وبيعها، وحمدت الله على نعيمه بعيداً عن ذل السؤال”.
وفي أيام “الكورونا” توقف عمل “ابو داود” المزدوج، أقفلت السوق التجارية فلم يعد يقوم بتنظيف الشارع، وفرض الهلع من الفيروس نمطاً جديداً على الناس فتوقفوا عن رمي الاثاث القديم والخردة، يؤكد “حتى هذا العمل على مشقته وقلة مردوده لم يعد ميسراً لي اليوم، بسبب الوباء الذي فرض على مختلف القطاعات وقف رمي الخردة”، آملا ان تنتهي الازمة قريبا، “فالجوع كافر.. وما في بجيبي ليرة واحدة. وأجبرني ضيق الحال وانسداد سبل العيش على البحث عن الطعام ولو في القمامة!”. مشهد “ابو داوود” غير المألوف في صيدا، يدق ناقوس الخطر مما آلت اليه أحوال بعض العائلات الفقيرة من عسر شديد، بعدما وقعت بين “مطرقة العوز وسندان الكورونا” وتداعياته، عائلات فقدت ما كانت تعتاش منه، على قلته ولا تملك ما تؤمن به حتى لقمة الخبز، فيما وصف مفتي صيدا وأقضيتها الشيخ سليم سوسان، الوضع الذي نعيشه بأنه “استثنائي ويحتاج إلى كثير من التعاضد والتعاون”، داعياً “الصيداويين إلى مد يد العون”، قائلا “ليعطف الكبير على الصغير والغني يساعد الفقير، لأننا لا نريد أن نرى فقيراً أو أرملة أو مسكيناً أو مريضاً يتسولون في شوارعنا”، مؤكداً “بتعاوننا نستطيع تجاوز هذه المرحلة بخير وسلام بمشيئة الله، وبجهد كل المخلصين الصادقين وبجهد محافظة الجنوب ونشاط البلديات والمستشفى الحكومي وحصة صيدا من الدولة”، مشدداً على أهمية خدمة صيدا والناس دون تمييز بين فقير وفقير، لا دينياً ولا طائفياً ولا مذهبياً، لان الفقر لا يميز بين الهوية والناس”.
في المقابل، أرخت إصابة الصيداوي (زياد. ب) بفيروس “الكورونا” بظلالها على المدينة، وسط متابعة طبية ورسمية وبلدية لحالته وهو في الحجر الصحي في منزله، وأبلغ محافظ الجنوب منصور ضو، “أننا نتابع الشخص ووضعه من خلال إعادة إجراء فحص حالته في مستشفى رفيق الحريري في بيروت وننتظر صدور النتيجة اليوم”، موضحا في الوقت نفسه “ما تقوم به المحافظة لا سيما لجهة تفعيل غرفة عمليات لجنة إدارة الكوارث والأزمات في محافظة الجنوب لمتابعة تطبيق كافة التدابير والإجراءات المتبعة من قبل وزارة الصحة في مواجهة تفشي وباء الكورونا، او لجهة تقصي الحالات الإيجابية خارج المستشفيات والمخالطين لها والعمل على تأمين أماكن للعزل المنزلي وفق الشروط الصحية المطلوبة”.
وحفلت مواقع التواصل الاجتماعي بالأدعية لشفاء زياد سريعاً، وعلى قاعدة “المرض مش مزحة وليس عيباً”، حيّت شجاعته على اعلانه بأنه “مصاب”، والطلب ممن اختلط به خلال الفترة الماضية التزام الحجر المنزلي والخضوع الى فحص “الكورونا” اذا ظهرت العوارض المشابهة، فيما وجه ناشطون رسالة تحت شعار “فكر فيها”، موجهة الى ابناء المدينة ولا سيما الشباب فيها، أكدت انه “تم الرهان على وعي الشعب وبدأنا نخسر الرهان، والان تقع على الكل كامل المسؤولية وعليه فليتحمل الكل نتاج افعاله، فلو انتشر المرض في المدينة فالشعب هو الذي سيدفع ثمن جهله وجشعه.. سيتمنى الشعب لو أنه لم يتحرك من فراشه، كم من ام ستسمع صراخ طفلها وتمنع من الاقتراب منه، وكم من شاب سيودع أمه وأباه من خلف الزجاج دون ان يحرك أحد ساكناً”.