عذراً دولة الرئيس حسان دياب، كل كليشيهات العالم لن تجدي نفعاً في التمويه عن الحقيقة الموجعة… لا أنت بطل من أبطال الثورة ولا حكومتك ولدت من رحمها، وكل استهلاليات مجلس الوزراء ومحاولة دسّ الدسم في ماعون مفرداتك للإيحاء بأنك تنطق باسم الثوار وتحاكي هواجسهم وتطلعاتهم لن تنطلي على مسامع الناس الذين باتوا بمثابة شهود عيان يوثّقون بالجرم المشهود اهتراء شماعة التكنوقراط من فوق رؤوسكم مع عودة كل وزير إلى أحضان بيئته السياسية لينطق باسم أولياء نعمته الوزارية واقفاً على أهبّة الاستعداد رهن إشارة من إصبع الجهة التي وزّرته ليتلقى الإيعاز المناسب منها حيال هذا الملف أو ذاك. البعض تأتيه “التعليمة” بإبقاء مشروع في الدرج فيحجر عليه، وغيره تأتيه على شكل معارضة مشروع آخر فيسحبه من التداول الحكومي… وإذا فشل الوكيل، يتدخل الأصيل على “راس السطح” مهدداً بسحب الوزير نفسه من التشكيلة الحكومية إذا لم تكن قسمة المغانم “شراكة حلبية”.
“الشمس طالعة والناس قاشعة” ولا داعي للهلع والمكابرة، إنها حكومة 8 آذار “وحبة مسك” تسير على هدي القوى السياسية التي رعتها، تكليفاً وتأليفاً، وها هي عادت تحت مظلة “الكورونا” التي حمتها من زخات غضب الناس، إلى ممارسات تؤكد كونها حكومة سياسية بامتياز وتكاد تتفوق على سابقاتها بلعبة المحاصصة والمحسوبيات… من التشكيلات القضائية التي فرملها “التيار الوطني الحر” لأنّ مجلس القضاء الأعلى لم يفصّلها على القياس العوني، إلى التشكيلات المالية التي تكسّرت على صخرة تناتش تياري “الوطني الحر” و”المردة” الأعضاء المسيحيين فيها، وما بينهما صفعة “الكابيتال كونترول” التي وجّهها رئيس مجلس النواب نبيه بري للحكومة بيد وزير المالية تحت وطأة فيتو “الثنائي الشيعي” على تمرير المشروع… وكل حديث آخر عن مخالفة “قناعاتي ومنطلقاتي وتوجهاتي” على لسان رئيس الحكومة في معرض تسويقه “تخريجة” سحب بند التعيينات المالية من جدول أعمال جلسة الأمس باعتبارها تتم “بطريقة لا تشبه حكومة التكنوقراط” ليس أكثر من ذرّ للرماد في عيون الناس لن يستطيع تعمية الأنظار عن مشاهدة الأداء الفضائحي لمكونات “اللون الواحد” في إدارة دفة الحكم والحكومة بعيداً من أي خطوة إصلاحية مجزية في وقف الانهيار الاقتصادي والمالي في البلاد.
حتى التشدد الذي يحرص دياب على تظهيره للإعلام بمؤازرة عونية إزاء عملية تنظيم رحلات “العودة الآمنة” للمغتربين، مبالغ فيه، سيّما وأنّ مصادر سياسية رفيعة استغربت عبر “نداء الوطن” كل هذه “الضجة المفتعلة التي أثيرت ولا تزال حول عودة اللبنانيين من الخارج بينما رئيس الحكومة نفسه كان حتى الأمس يمنح بين الحين والآخر توقيعه لهبوط عدة رحلات جوية تنقل على متن طائرات خاصة أشخاصاً وعائلات إلى لبنان، ومن بينهم أفراد تأكدت إصابتهم بفيروس كورونا، وآخرها طائرة هبطت صبيحة الأول من أمس في مطار رفيق الحريري الدولي قادمة من “بوركينا فاسو” وعلى متنها مصاب بالكورونا من آل عازار، وقبل ذلك كانت الرحلات الخاصة تتوالى إلى بيروت خارقةً “التعبئة العامة” بتوقيع من دياب لتنقل مصابين بالفيروس، بعضها نقل مثلاً من اسطنبول عائلة من آل صفير كانت سيارة الإسعاف تنتظرها عند مدرج الهبوط، وغيرها أيضاً وصلت من تركيا وعلى متنها مواطنون من آل عون كانوا موزعين ما بين السودان وروسيا وعمدوا إلى التجمّع في اسطنبول ومن هناك أقلتهم طائرة خاصة تابعة لطيران الشرق الأوسط إلى لبنان”، وأردفت المصادر: “الأذونات التي يمنحها رئيس الحكومة لحركة الطائرات الخاصة مستمرة ولم تتوقف، وبالتالي فإنّ قرار تنظيم الرحلات الجوية للراغبين بالعودة من المغتربين لم يخرج عن هذا السياق، مع فارق وحيد أنّ استئناف حركة الملاحة أصبح معلناً ومحدداً بمراحل وآليات بدءاً من 5 نيسان انطلاقاً بشكل أساس من القارة الأفريقية ودول الخليج، في ظل رفض عدد من الدول الأوروبية استقبال الطواقم الطبية والأدوية على متن الطائرات التي ستقل الركاب إلى لبنان”.
في الغضون، وإمعاناً في تأكيد الصبغة السياسية لهذه الحكومة، وتأكيداً للنزعة العونية فيها، جاء أمس قرار إعادة إحياء صفقة “سد بسري” وإعلان حكومة دياب تبنيها لمشروع “السد” بمثابة الفضيحة المدوية، لا سيما وأنّ إقرار متابعة السير بتنفيذ هذا المشروع الذي يطلق عليه معارضوه اسم “سدّ باسيل” أتى ليتحدى كل الاعتراضات الوطنية والمحاذير البيئية للمشروع. وقد أظهر هذا القرار على شريط الردود الأولية كونه “مشروع مشكل” جديد سواءً داخل صفوف الفريق الحكومي في ضوء “النقزة” التي تسربت من أجواء “عين التينة” حيال مسألة حصر الصلاحية والمرجعية في إدارة مشروع السد بوزارة الطاقة مع ما يختزنه ذلك من فرض سطوة رئيس “التيار الوطني الحر” على المشروع بتفويض من مجلس الوزراء، أو في صفوف القوى الخارجة عن الصف الحكومي لا سيما في ظل مسارعة “الحزب التقدمي الإشتراكي” إلى إعلان تصديه “بكل الوسائل لهذا المشروع ولمتعهده التدميري ومن خلفه ومعه”، متطلعاً إلى عقد “شراكة مع كل قوى المجتمع المدني والحملة الخاصة بالدفاع عن وادي بسري لوقف هذا المشروع المدمّر”.
وعلى خط المجتمع المدني، استنفرت الحملة الوطنية للحفاظ على مرج بسري تحت شعار “تسقط مافيا السدود” منددةً باستغلال الحكومة الأزمة الصحية للاستمرار بصفقة سد بسري التي تكلف الخزينة العامة مبلغ 625 مليون دولار في عزّ زمن الإفلاس، واستغرب القيمون على الحملة كيف أنّ السلطة الحاكمة، وفي وقت تمر البلاد بأسوأ أزمة اقتصادية ونقدية تشهد إفلاساً علنياً للدولة وعجزاً تمويلياً في كل شيء، تبادر بهذا الشكل المنفصم عن الواقع إلى إقرار مبلغ بهذا الحجم وهدره “بشحطة قلم” في زمن الجوع وانتشار المرض، لا لشيء سوى لإرضاء جهات سياسية وأصحاب مصالح ومنتفعين، مؤكدين أنّ النتيجة ستكون حسبما أثبتت الدراسات العلمية مجرد تدمير للأراضي الزراعية وهدر لمئات ملايين الدولارات من أموال الشعب الذي صادروا ودائعه في المصارف، وفي نهاية المطاف سيلقى السد مصير الفشل نفسه الذي لاقاه سد بريصا في الضنية، هذا فضلاً عن تشكيله تهديداً حقيقياً للبيئة وللمناطق المجاورة.
“سد بسري”، حسبما تختصر توصيفه مصادر معارضة لـ”نداء الوطن”، ليس الغاية منه ملء المياه بل “ملء الجيوب”، وتستطرد: “كان الأجدى بالحكومة بدل تأكيد المضي قدماً بصفقة السد التي تفوق قيمتها الـ600 مليون دولار، أن تبادر إلى تخصيص هذا المبلغ وإعادة توجيه أموال القرض المخصص لهذا المشروع باتجاه تمويل احتياجات الناس المعيشية ودعم رواتب الموظفين في القطاع الخاص والمساهمة في الإفراج عن جزء من مدخرات المودعين المنهوبة والمحجوزة في المصارف، ولشراء أجهزة تنفس وتأمين المستلزمات الطبية اللازمة لمواجهة وباء كورونا… أقلّه كي لا ينقطع الأوكسيجين عن الناس”.