كتب عمر البردان في صحيفة “اللواء”:
جاءت الخلافات على التحاصص المعيب بشأن التعيينات المالية، لتعكس بوضوح استمرار حالة الزبائنية التي تتحكم بالطبقة السياسية القائمة، من دون الأخذ بما يتعرض له البلد من تهديدات صحية بالغة الخطورة، جراء تفشي جائحة «كورونا» التي تنذر بمضاعفات لا يمكن الاستهانة بنتائجها، إذا لم يحصل تجاوب أكبر بكثير مما يجري حالياً، بعدما ظهر بوضوح أن التزام المواطنين بـ«التعبئة العامة» لم يكن بالمستوى المطلوب لمحاربة الوباء. وبدل من أن تتركز الجهود على محاولة الحد من انتشار «كورونا»، استغل البعض ملف التعيينات الذي كان بالإمكان تأجيل البحث به، ليخوض معركة لا هوادة فيها، في إطار التناتش القائم حول الحصص المتصلة بهذه التعيينات بين هذا الفريق أو ذاك، وهو ما برز جلياً في الصراع الحاد الذي برز بين رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، وبين رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية في ما يتصل بالحصة المسيحية من هذه التعيينات، في وقت وجه «تيار المستقبل» وأطراف سنية اتهامات للحكومة، بأنها تريد استغلال هذه التعيينات لتصفية الحسابات، من أجل المحاسيب والأزلام.
وتشير المعلومات المتوافرة لـ«اللواء» من أوساط سياسية، بأن «مجلس الوزراء كاد أن يتفجر في جلسته التي عقدها، أمس، لو أنه سار في ملف التعيينات حتى النهاية، من دون الأخذ بمطالب جميع الفرقاء، وبالتالي فإن ضابط إيقاع الحكومة «حزب الله» لا يريد الوصول إلى استقالات وإلى خلافات يصعب في مرحلة لاحقاً لجمها، فكان الخيار الأفضل أن يصار إلى تأجيل التعيينات من أجل التوافق على هذه السلة، تجنبًا لخلافات ستقود إلى تصدعات واستقالات، خصوصاً وأنه بالنسبة للحزب لا بديل عن الحكومة بالمرحلة الراهنة». ولا يخفى على أحد استناداً لما تقوله الأوساط، بأن «هذه القوى اعتادت على ممارسات معينة، ولا تريد الإقلاع عن المحاصصة والزبائنية والولاء في الإدارات، لاعتقادها أنه من خلال هذه السياسة تستطيع أن تكسب شعبياً وتحافظ على نفوذها في مواقع إدارية. لكن ألا تعلم هذه القوى أن هذه الممارسات أدت إلى تفكك الدولة وانهيارها، وفي نفس الوقت فإنه عندما تتغير العهود فإن الأشخاص المعينين يشهرون ولاءهم للعهود الجديدة».
وتشدد هذه الأوساط، على أن «هناك أطرافاً سياسية لا تأخذ بعين الاعتبار أن هناك ثورة حصلت في السابع عشر من تشرين الأول الماضي، ولا تريد أن تعترف بأن هناك أزمة مالية خانقة تضرب البلد، ولا تزال تتعاطى بالعمل السياسي، وكأن لبنان بألف خير، بحيث أن كل طرف يبحث عن تعزيز نفوذه في الإدارات، لاعتبارات سلطوية ومصلحية، علماً أنه لم يعد هناك شيء اسمه سلطة في لبنان الذي يغرق في الانهيار أكثر فأكثر. ولذلك كان أفضل خيار يمكن اللجوء إليه، هو في اعتماد الآلية الخاصة بالتعيينات، لتجنيب الخلافات للجميع، طالما أن الجميع ملتزم بهذه الآلية التي تشكل ضمانة لأي تعيين. وهنا تكمن أهمية عودة الثورة بعد الانتهاء من كورونا، لأن هذه الذهنية لا يمكن التعايش معها على حساب الدولة والمؤسسات، مشددة على ان الأمور أصبحت الآن أكثر من مفضوحة منذ تشكيل الحكومة حتى اليوم، ما يؤكد بوضوح أننا أمام أكذوبة حكومة مستقلين. ولذلك فإنه وكما كانت القوات اللبنانية تشدد دائماً على أنه لا يمكن إنقاذ البلد إلا من خلال حكومة اختصاصيين مستقلين، لكن ظهر بوضوح أن القوى السياسية هي التي تتحكم بالحكومة، وأكبر دليل على ذلك، أنها تتحكم بالتعيينات التي تراها مناسبة لمصالحها، وهذا أمر مدمر على مستوى الدولة وعلى مستوى ثقة الناس والخارج. والسؤال المركزي الذي يطرح: كيف لحكومة لا تستطيع إقرار تعيينات، أن تواجه الفساد والانهيار المالي الذي يستدعي تنازلات وإجراءات بنيوية وجوهرية؟ وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل استناداً إلى المعطيات المتوافرة لدى هذه الأوساط، على أن هذه السلطة ليست في وارد الذهاب إلى أي سلطة إصلاحية حقيقية، لأن الطرف الذي يتمسك بنفوذه بهذا الشكل، يرفض أن يتخلى عن كل مكاسبه داخل الدولة».
وإذ تشدد، على أن «أي خطوة إصلاحية تبدو بعيدة كلياً، في ظل وجود هكذا حكومة لا تقيم وزناً لضرورات إخراج البلد من أزمته»، لا ترى أن «رواية توجّه نواب «تيار المستقبل» للاستقالة جدية، سيما وأنه لا تأكيد رسمياً على ذلك من جانب «المستقبل»، وإن لم يكن له نفي أيضاً، في ظل تساؤلات عن جدية ذهاب نواب هذا الفريق للاستقالة، ربطاً ببيان رؤساء الحكومات السابقين الأربعة، رداً على التعيينات ووضع اليد على الدولة وتجاوز اتفاق الطائف»، في وقت توقعت مصادر سياسية أن «يرفع التيار «الأزرق» من حدة اعتراضه على طريقة تعاطي الحكومة مع الملفات السياسية والاقتصادية الراهنة، بعدما ظهر أن تجربة التعيينات المعلبة، لا تعكس ثقة بهذه الحكومة وقدرتها على تجاوز المأزق الذي يمر به البلد».
وفي غمرة الاستعدادات القائمة لإعادة المغتربين، في إطار الخطة التي تم وضعها ولا تزال تخضع لتعديلات، فإن الأوساط تعتبر، أن «أي دولة معنية بأي مواطن يحمل هويتها، وهذا موقف مبدئي يجب أن يكون قائمًا ولا بد من متابعته، وإن كان المطلوب إقفال الحدود منذ اليوم الأول، وليس بعد مرور ما يقارب ثلاثين يوماً على أول إصابة بكورونا في لبنان»، مشيرة إلى أن «الآلية التي أعدت تضمن صحة القادمين من الخارج، كما تضمن الحجر الإلزامي بعد وصولهم إلى لبنان، لتجنب تكرار الخطأ نفسه الذي حصل عند وصول أول طائرة إلى بيروت، باعتبار أن هناك الكثير من الفنادق الموجودة في لبنان، طالما أن المغتربين سيعودون على نفقتهم، وبالتالي لا ضير إذا تحمل نفقات الإقامة في الفندق لأسبوعين. وهذا يفرض أن تكون الآلية واضحة المعالم وتراعي الشروط التي تضعها أي دولة من دول الاغتراب، خاصة وأن هناك دولاً رفضت نزول طواقم أمنية وطبية لبنانية على أراضيها. ولذلك يجب أخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، بما يجعل هذه الخطة مستجيبة لكل الاعتبارات».