كتب ألان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:
لا شكّ أن مزاريب الهدر في الدولة اللبنانية كثيرة لا تعدّ ولا تحصى، إلاّ أن الخطوات الإصلاحية لا تزال ضروريّة لوقف مسلسل النزف المالي.
فقد اللبناني الأمل في إمكانية الإصلاح مع هذه الحكومة، خصوصاً بعد طغيان منطق المحاصصة التي نسفت التعيينات، تلك المحاصصة المفضوحة التي بلغت حد “الوقاحة” على وقع الخلافات العلنية بين أهل الحكومة والتي فجّرها تهديد رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية بالإنسحاب من الحكومة إذا لم ينل حصته أسوةً بـ”التيار الوطني الحر”.
كل تلك المؤشرات تدل على أن الطبقة السياسية ما زالت تصمّ آذانها عن سماع صوت الشعب الذي انتفض في 17 تشرين وطالب بالإصلاح ووقف منطق الفساد والمحاصصة.
لكن على رغم كل ما يحصل، إلا أن هناك أفكاراً تطرح لتخفيف مزاريب الهدر في الدوائر والإدارات العامة والوزارات، وقد وصل الأمر إلى السلك الديبلوماسي الذي يعاني من تخمة في بعض الأماكن في حين أن بعض البلدان التي يتواجد فيها لبنانيون لا توجد فيها سفارات أو قنصليات.
وفي السياق، علمت “نداء الوطن” أن هناك أفكاراً واقتراحات يجري تداولها في وزارة الدفاع ولم يصدر القرار النهائي بشأنها بعد حول إمكانية إلغاء مركز الملحق العسكري في السفارات اللبنانية في الخارج وعددهم نحو 12 ملحقاً ويتوزعون على الدول الخمس الكبرى إضافةً إلى بعض الدول التي يتمّ اختيارها، وإلغاء هذه المراكز يوفّر مبلغاً مهماً على خزينة الدولة لأن الملحقين يقبضون رواتبهم بالدولار الأميركي وليس بالليرة اللبنانية بحكم تواجدهم خارج لبنان.
وفي حال تمّ هذا الأمر، فإن النقاش الدائر حالياً في وزارة الدفاع وحتى في المراكز المهمة في الدولة هو حول إلغاء هذه المراكز في جميع الدول المتواجدين فيها وإبقاء ملحق عسكري واحد في الولايات المتحدة الأميركية، وهذا رأي أكثر من جهة في الدولة اللبنانية، وذلك لأن واشنطن هي المسلّح الأول والأكبر للجيش اللبناني، ومعروف مدى علاقة التحالف بين الجيشين اللبناني والأميركي وهذه العلاقة ذاهبة نحو التطوير أكثر، في حين أن إلغاء مركز الملحق العسكري في واشنطن قد يصعّب مهمة التنسيق، علماً أن هناك مكتب تنسيق في قيادة الجيش.
وقد يخلق إلغاء مركز الملحقين العسكريين في الدول وإبقاؤه في واشنطن، إن تمّ، مشكلة سياسية داخلية ومع بعض الدول، إذ إن القرار وإن نال موافقة قيادة الجيش ووزيرة الدفاع ورئيسي الجمهورية والحكومة قد يلقى معارضة من “حزب الله” على رغم معرفة “الحزب” أنه غير قادر على السيطرة على قرار الجيش اللبناني، وليس بإمكانه وقف التعاون بين الجيشين اللبناني والأميركي لأنه غير قادر على تأمين مصدر تسليح ثان للجيش.
وربما يدرس البعض مخارج لهذه الخطوة، ومنها الإبقاء على الملحقين العسكريين في العواصم الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن وهي: واشنطن، لندن، باريس، موسكو وبكين، لأن هناك بعض العواصم تبدي امتعاضها من مثل هكذا خطوة وعلى رأسها موسكو التي أثار هذا الموضوع ريبتها، خصوصاً أنها ترى عمق العلاقة بين الجيشين اللبناني والأميركي وهذا الأمر يزعجها، في حين أن الدولة اللبنانية تتكل على المساعدات الأميركية للجيش وغير قادرة على شراء رصاصة واحدة من روسيا لكي لا تثير غضب الأميركيين.
لا شكّ أن مركز الملحق العسكري يُعتبر بالقاموس اللبناني “تنفيعة” مثل كل مراكز الدولة، وتخفيف المصاريف واجب، والجدير ذكره أن هذا المنصب يعمل تحت إمرة السفير ويتم تعيينه بناء على اقتراح الإسم من قائد الجيش وتوافق عليه الجهات المعنية، وهو ينسق كل شيء مع السفير الموجود في العاصمة ويستطيع فقط إرسال تقارير أمنية مباشرة إلى وزارة الدفاع.
كل شيء في لبنان يتحوّل إلى سياسة حتى لو كانت خطوة يراد منها الإصلاح، لكن الأكيد أن الحكومة اللبنانية لا تريد إغضاب واشنطن، ليس من أجل المساعدات العسكرية فحسب، بل من أجل الحصول على مساعدات مالية ولفكّ الحصار عن “حزب الله” الذي أثّر على لبنان على رغم أن السلطة الحاكمة حالياً تُصنّف في خانة “الخصم” لواشنطن لكن الظاهر أنها تفعل كل شيء لاسترضائها.