المال ليسَ «عملة نادرة» عندَ رئيس الحكومة السابِق سعد الحريري. هو موجود، لكن ليسَ لأصحاب الحقوق. هو إما لحرب النفوذ في المعارك السياسية، أو لشراء ولاءات. في زمن انتشار وباء كورونا، هرَع بعض السياسيين والمصرفيين إلى التبرع بفتات للفقراء. في الحقيقة، ليسَت هذه التبرعات مساعدة إنسانية، بقدر ما هي محاولة تلميع صورة الموسومين بالفساد. وقد دخل الحريري اللعبة، متبرعاً بمبلغ 100 مليون ليرة لبنانية لمستشفى عكار، وكذلك تخصيص فندق «غراسياس» في ضهر نصار كأول مركز للحجر الصحي في عكار.
بالتأكيد، تستحق عكار وأهلها مبلغاً أكبر بكثير من ذلك، تعويضاً عن كل سنوات الإهمال، كما يستحق موظفو شركة «سعودي أوجيه» المُفلسة التفاتة في ظل الأوضاع الراهنة، وهم الذين لا يزالون ينتظرون تحصيل حقوقهم وتعب سنوات اغترابهم. غالبية العائلات التي فقدت وظيفتها بعد إفلاس سعودي أوجيه (نحو 3500 عائلة) تعاني اليوم من بطالة مستمرة، إذ إن أفرادها لم يوفّقوا بمهن بعد عودتهم، وهم لم يتقاضوا رواتب منذ شهر نيسان 2015. منذ حوالي شهر، توفي أحد العاملين المصروفين من الشركة، في ظروف معيشية تعيسة، من دون تحصيل حقوقه، وهناك حالات سابقة له.
مع ذلك، لم يكُن لأكثر هذه العائلات نصيب من «كرَم» الحريري. صرخة هؤلاء عادت لتعلو، لا طلباً لمساعدة مالية ولا «كرتونة إعاشة»، بل للحصول على مستحقاتهم وتعويضاتهم، وهم في أمسّ الحاجة إليها حالياً. وتستغرب العائلات كيف يُمكن دفع مبالغ كمساعدات «ولا نرى نحن قرشاً واحداً من حقوقنا التي كنا سنحصل عليها كاملة فيما لو جرى تقسيمها على دفعات مثل تلكَ التي رُصدت للمستشفى».
وكان كلام الحريري عن استعداده لتمويل المحكمة الدولية، وتبرعه لمستشفى الشمال بمبلغ مئة مليون ليرة، قد أثار استياء الكثير من موظفي سعودي أوجيه وتلفزيون وصحيفة المستقبل المصروفين، والذين لا يتقاضون رواتبهم المستحقة إلا بعد اعتصام احتجاجي.