IMLebanon

الكنيسة والأزمات… المطلوب تشغيل العقول لا “صناديق الإعاشات”

كتب آلان سركيس في صحيفة “نداء الوطن”:

مرّ أحد الشعانين على الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الغربي من دون إحتفالات وقداديس، وبقيت الكنائس فارغة في تدبير وقائي تتبعه الكنيسة في العالم لمواجهة “كورونا” سينسحب أيضاً على أسبوع الآلام وعيد الفصح وما بعده.

يعتبر أحد الشعانين مناسبة لبهجة الأطفال وهي محطة سنوية ينتظرونها، وستعلق في ذاكرتهم أنه في نيسان 2020 لم يُعيّدوا هذا العيد بسبب “كورونا” الذي يجتاح العالم وبالتأكيد سيخبرون هذا الأمر للأجيال المقبلة.

بدت الكنائس في المدن والقرى فارغة من المؤمنين، واستعيض عنها بقرع الأجراس ووضع غصن الزيتون الذي يرمز الى السلام على أبواب الكنائس، في حين حرم الأطفال من تطواف الشموع، كل هذه الإستثناءات سببها واحد وهو “كورونا”، في حين أنّ لبنان لا يزال في عين العاصفة وبالتالي فإن أي “غلطة” في مكان ما أو خلل سيؤدّي إلى ارتفاع هائل في أعداد المصابين.

كل تلك التحديات الصحية تُضاف إليها الأزمة الإقتصادية الأخيرة تشكّل خطراً على الكيان اللبناني الذي كان يستعدّ للإحتفال بمئويته الأولى في 1 أيلول المقبل.

إذاً، تقف الكنيسة أمام تحديات كبيرة وهي تستعدّ لإحياء أسبوع الآلام، وأول هذه التحديات هو التحدّي الصحي الداهم، ويعرف المطارنة والرهبان جيداً أن المسؤولية لا تقع وحدها على أجهزة الدولة اللبنانية، بل إنها تقع أيضاً على عاتق الإكليروس، وهذه المسؤولية تنقسم إلى توعويّة بحيث يقع على عاتق الكنيسة إرشاد شعبها وجعله يتقيّد بإرشادات وزارة الصحة لتخفيف المخاطر، كذلك يجب أن تلعب المؤسسات المتفرعة عن الكنيسة وعلى رأسها المؤسسات الصحية والتعليمية، دوراً كبيراً على صعيد الوطن لاجتياز هذه الأزمة.

ومعروف أن الرهبانيات والكنيسة كانت ريادية في تطوير النظام الصحي والتعليمي في لبنان وبالتالي فإن الوقت هو لإثبات مدى الوقوف إلى جانب الشعب ومدى هذه الجدارة.

أما التحدي الثاني والأبرز فهو التحدّي الإجتماعي والإقتصادي، وقد بدأ بعض الأبرشيات المارونية وضع الأراضي التي تمتلكها في تصرّف الناس من أجل زراعتها لتحصين الأمن الغذائي، وإذ يرى المواطنون أن هذه الخطوة جيّدة، إلا أن خبراء يعتبرون أن مثل هكذا خطوة يجب أن تترافق ببرنامج تطويري.

ومعروف أن الرهبان كانوا السباقين في الإتصال بأوروبا واستقدام التقنيات المتطورة من أجل تطوير نمط عيش الشعب، لذلك فإن الشعب لا يطلب صندوقة “إعاشة” أو ما شابه من مساعدات إجتماعية، على رغم وجود بعض العائلات المحتاجة، فالغالبية تطلب من الكنيسة والرهبنة إجتراح الحلول للأزمة على صعيد المناطق علماً ان الأزمة الإقتصادية الوطنية تحتاج إلى حل ينبع من الحكومة وليس من الكنيسة.

وأمام كل ما يحصل، فإن المطلوب من الرهبانيات والكنيسة تشغيل العقول للبحث عن حلول وليس تقديم المساعدات الإجتماعية فقط، لأن الكنيسة كانت دائماً سباقة في البحث عن حلول في زمن كان الوضع يتطلّب عجائب، وقد نجحت في محطات عدّة، وبالتالي فإن المطلوب منها اليوم تحريك المحركات وأن تكون في حجم الأزمة.

“من يعطي الكثير يطلب منه الكثير”، لذلك فإن حجم المسؤولية لا يتوقّف حسب العارفين بشؤون الكنيسة على الموضوع الإجتماعي بل يتخطاه ليصل إلى المستوى الوطني، علماً أن الملف الوطني والسياسي محصور في يد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، المطالب بدور أكبر يوازي حجم دور بكركي الوطني.

وكما في كل الكنائس كذلك في بكركي حيث ترأس الراعي قداس أحد الشعانين أمس بلا مؤمنين، فقد اعتبر أن فيروس “كورونا” جاء يحرم الجميع، في كل نواحي الأرض، من بهجة العيد والاحتفال به في الكنائس، ويحرم الأطفال من سعادة عيدهم، ويوقع العديد من العائلات والأطفال في حال الفقر والحرمان؛ ويفتك بمئات الآلاف من الضحايا.

الراعي الذي يشدد على أهمية التدابير الإحترازية، دعا ذوي الإرادة الحسنة “من حكام ومسؤولين لينهضوا ببلدانهم، ويعززوا السلام فيها والوحدة، ويؤمنوا السلم الأهلي: السياسي والغذائي والصحي والتربوي”.

ولم يغب همّ النزوح عن بال الراعي الذي تمنى حل مشكلة النازحين، وتحريك ضمائر حكام العالم ليعملوا على عودتهم بكرامة إلى بلدانهم.