Site icon IMLebanon

هذا الوقت سيمضي!

كتب طارق عنترازي في صحيفة “نداء الوطن”:

تُنسَب هذه العبارةُ إلى وزير أحد ملوك الهند عندما طُلب منه أن ينقشَ على خاتمه عبارةً لو قرأها وهو حزين سيفرح ولو قرأها وهو سعيد سيحزن، فكتب هذا الوزير (هذا الوقت سيمضي).

في عزّ أزمة الكورونا لا يسعنا غير الأمل بأن هذا الفيروس سيمضي، ونخطو نحن نحو مستقبل أفضل.

هذا الوقت سيمضي، وسيصبح البشرُ أكثر اهتماماً بنظافتهم الشخصية، ونظافة مجتمعهم، وأوطانهم.

هذا الوقت سيمضي، وستمنع الصين عادات همجية من أكل حيوانات أليفة، أو غير أليفة. سنصحو على عالم أكثر رأفة بالطبيعة ومن يشاركنا بها ممّا أبدع خالق هذا الكون.

هذا الوقت سيمضي وستعلم الدّول أن سياسة غضّ الطرْف عن ارتكابات الشركات الكبرى، من خلال مصانعها في الصين والشرق الأقصى بحق البشر والطبيعة أمر لا يمكن الاستمرار به.

هذا الوقت سيمضي، وسيعلم أقوياءُ هذا الشرق المزعومون أنهم أضعف من أن ينتجوا جهازَ تنفس واحداً تحتاج إليه مستشفياتهم لإنقاذ المصابين.هذا الوقت سيمضي، وسيذكر التاريخ أن كل من وُجدَ على أرض السعودية والإمارات تمتع برعاية طبية شاملة، زائراً كان أم مقيماً أم مخالفاً لشروط الإقامة بينما منعت جارتنا مواطنيها من العودة. وسيذكر أيضاً ان إحداهن من فنانات عصر القحط دعت لرمي غير أبناء جلدتها بالصحراء “گطهم بالبر”، قالت!!

هذا الوقت سيمضي وسنذكر أن حكومتنا في ذروة الأزمة، والجوع يطرق أبواب خمسين في المئة من شعبها، قررت صرف 600 مليون دولار على مشروع سد مشكوك بفعاليته ومعلوم مدى تدميره للبيئة، إرضاءً لفاسدي هيكلٍ مترنح.

هذا الوقت سيمضي وسيذكر فقراء شمال لبنان أن جيرانهم أصحاب المليارات تمنعوا عن تقديم فتات ثرواتهم لسد جوع عائلات فقيرة، وعلى مدى ثلاثين عاماً عجزوا عن بناء مشاريع تؤمن فرص العمل والرزق الحلال لأخوتهم وجيرانهم.

هذا الوقت سيمضي، وسيذكر اللبنانيون أن من يملك مئة وخمسين ألف صاروخ صدع رؤوسهم بها منذ حرب لو كنت أعلم، لا يملك القدرة على احتضان مئة وخمسين مريضاً فقيراً من إخوته في الوطن.

هذا الوقت سيمضي وسيذكر التاريخ أن أغنياء متخمين بأموال جنوها فساداً وانفقوا ملايين الدولارات على أعراس أبنائهم، لم ينشئوا مطبخاً لإطعام فقراء بلادهم. كما سيذكر من فتحوا بيوتهم وخزائن أموالهم لمساعدة أهاليهم وقت الحاجة.

هذا الوقت سيمضي وسيعلم المؤمنون أن الصلاة للخالق وحيدين في منازلهم تعطيهم السلام الروحي وتروي عطشهم، لتأكيد إيمانهم بالخالق وخشوعهم أمامه بعيداً من مراكز عبادة فخمة بنيت بأموال وقف الفقراء، وبقيت معظمها مقفلة أمامهم وقتَ الحاجة.

هذا الوقت سيمضي وسيذكر اللبنانيون أن دمعة كل ممرضة وطبيب وعامل نظافة أشرف وأهم من ملكة مسرح من هنا وسوبر ستار من هناك، وفارس أغنية وعصفورة طرب وممثلة شفاه منفوخة وأنف مرسوم وقوام مشدود، لا عمل لهم غير التنافس بالتفاهة على مواقع التواصل الاجتماعي.

هذا الوقت سيمضي، وسيعلم الجميع أن الطبيب النادر والصعب هو من ينقذ المصابين في مستشفى الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وليس من تفنن برسم أنوف الغواني وصدور “مماحين الليل”…

هذا الوقت سيمضي وسيمضي بعده عهدُ وولي عهد وزبانيتهم من سليم صاحب حسابات البنوك السويسرية، والأسود صاحب خطبة “خلص المزح” العصماء في حضرة نارجيلة متوهجة، ووزير تهجير شذى معزوفة “الهيلاهو” تملقاً لولي نعمته في مظاهرة تيار العهد…

هذا الوقت سيمضي وستمضي بعده جوقةَ الاستقواء بميليشيا غير شرعية هي امتداد لامبراطورية تريد احتلال هذا الشرق بتقسيم المقسم وإفقار الفقير، ونبش أحقاد 1400 عامٍ مضت.

هذا الوقت سيمضي وسنذكر أن العالم بأجمعه يجلس منتظراً لقاحاً يحمي البشرية، يأتي من مختبرات الشيطان الأكبر وليس من مصانع أسلحة من يدعي الحق المطلق بتكليف إلهي.

هذا الوقت سيمضي، وسيبقى لنا لبنان بشعبه الطيب المضياف الشجاع المثقف الرافض لاستعادة جراح الماضي وظلام ذكرياته. سيبقى لنا جيش واحد وقانون فوق الجميع وأرقى جامعات الشرق ومستشفياته. لن يقوى علينا فيروس من هناك ولا مستزعم فاسد زرع الوطن مواكب استفزاز من هنا.

هذا الوقت سيمضي وسيعلم الجميع أن أولويات الحكومة يجب أن تكون ضمان استشفاء مواطنيها وكف ذل العوز عنهم، وليس تقاسم الغنائم من مال الشعب وعلى حسابه.

هذا الوقت سيمضي وسيعلم اللبنانيون أن لا ذل أقسى من ذل والد غير قادر على إطعام عائلته. ولا ذل أصعب من ذل عجز عائلة عن استشفاء عزيز أو تعليم فلذة كبد.

هذا الوقت سيمضي وسيعلم الجميع أن المستقبل منزل لا يمكن بناؤه بأفكار الماضي وصواريخ عفا عليها الزمن. المستقبل ستبنيه أفكار الشباب خريجي جامعاتنا وممرضاتنا وممرضينا وأطبائنا، وسيبنيه كل من تعلم مهنة شريفة تكفيه شر الفقر والعوز وذل الاستزلام لأحد.