كتبت مريم مجدولين لحام في صحيفة “نداء الوطن”:
أثار ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة في مدينة طرابلس وسعي التجار فيها إلى الإحتكار في زمن توقف الإستيراد والتصدير، موجة غضب وانتقاداً شعبياً واسعاً على مواقع التواصل الإجتماعي. وعبّر ناشطون طرابلسيون عن استيائهم من استمرار ما وصفوه بالهيمنة و”استغلال جائحة كورونا”، متسائلين عن دور المزارعين في تفوّق ارتفاع أسعار الخضار والفاكهة على غيره من السلع الإستهلاكية وعن دور غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس ولبنان الشمالي من ناحية ايجاد آلية للسيطرة على تفلّت أسعار التجار.
بحسب جمعية المستهلك زادت أسعار الخضار والفاكهة بنسبة 27% و20% على التوالي، إذ طاول الغلاء المنتجات الوطنية التي تأثرت بأزمة الدولار من جهة والمنتجات المستوردة بغير مواسمها والتي ارتفعت قيمتها عند التاجر. فما الحل؟
وجّه أمين عام العلاقات العامة للنقابات الزراعية علي شومان رسالة إلى المستهلك اللبناني عبر “نداء الوطن” دعا فيها إلى “شراء الخضار والفاكهة من المصدر. المزارع اليوم هو الحلقة الأضعف، غلاء الأسعار من التجار الذين يتحكّمون بأساس التسعير على العرض والطلب، وسنعمل في الاتحاد على فتح أسواقنا بالمفرق للشعب. نبيع من عندنا الكيلو بأرخص الأسعار وتصل في الدكاكين والسوبرماركات الكبيرة غالية الثمن للمستهلك، ولا نقابة للدكاكين كي يوحّدوا الأسعار أما وزارة الإقتصاد فنائمة في سبات عميق”.
وعن ارتفاع أسعار الثوم بشكل هستيري أوضح أن موسم الثوم لم يبدأ في لبنان والثوم المتوافر في السوق بهذه الأسعار العالية هو ثوم مصري وليس لبنانياً وتابع “أصلاً زراعة الثوم اللبناني تراجعت على أيام الوزير علي العبدالله الذي فتح الباب على مصراعيه أمام الثوم الصيني الذي غزا الأسواق ومع ظهور كورونا وتوقف الإستيراد من الصين، استورد التجار الثوم من مصر وغلّوا الأسعار” وختم “من المتوقع أن تنخفض اسعار البطاطا والبصل خلال أيام مع دخول محصول عكار إلى السوق”.
هذا وقد عبر أحد المزارعين لـ”نداء الوطن” عن مشكلة أخرى أدت إلى ارتفاع الأسعار وهي “وجود حلقة مفقودة بين المزارع والمستهلك وهي المتمثلة بغلاء كلفة نقل البضائع من الحقل الى اسواق الجملة بالإضافة إلى العمولة التي يتقاضاها “ناقل البضاعة مع فرق الشرحة وعتالة” مما يزيد سعر الكلفة بنسبة تصل إلى الـ 30% فلو اخذنا مثلا كرتونة الملفوف وسعرها الحالي بين 7000 و8000 ليرة لبنانية يتبقى منها للمزارع 4000 ليرة لبنانية ما يجعل سعرها 250 ليرة لبنانية للحبة، بينما تصل إلى المستهلك بكلفة تفوق الألف ليرة”. وأكمل “الخسارة متبادلة بيننا وبين المستهلك وقس على ذلك في كل المنتجات. توقعاتنا كمزارعين هو أن السنة الزراعية المقبلة ستنقص الرقعة الزراعية الى ما دون 35% مما كانت عليه، وهذا ما نراه في المشاتل حيث ان ألف شتلة بندورة على سعر صرف قارب الـ3000 ليرة للدولار كلفتها 200 ألف ليرة فكيف لنا ان نزرع وان شتلة بطيخ او شمام (طعم) بحوالى 1100 ليرة اي ان الدونم بحاجة الى حوالى 500 ألف ليرة ثمن شتول وترتفع كلفة الدونم مع كل احتياجاته لتقارب المليون و300 ألف ليرة، هذا ان كان المزارع يمتلك شبكة ري قديمة”. وختم “المزارع هو أكبر المتضررين”.
وفي هذا الصدد يقول رئيس جمعية المزارعين أنطوان حويك لـ”نداء الوطن” أن المزارع بريء من غلاء الأسعار فـ”ليس للمزارع اللبناني مصرف وطني للإنماء الزراعي يتيح للمزارعين الحصول على قروض بضمانة الإنتاج. وبما أن المصارف التجارية ترفض تسليف أي مبلغ من المال للمزارع من دون أن يرهن أرضه لهم، نجد أن المزارع يعتمد في عمله على الشركات التي تؤمن له المستلزمات العينية التي يحتاجها من أسمدة والأدوية الزراعية ويدفع لهم نقداً عند كل موسم. وبالتالي فضحت أزمة الدولار كل الخلل الموجود في القطاع الزراعي “المخنوق” لمصالح السياسيين. وفي لبنان لدينا 40 ألف مستثمر بالضمان لأراضٍ زراعية لا يملكونها وبالتالي لا يمكنهم رهنها للمصارف التجارية. أي نحن نتحدث عن أغلبية تزرع أكثر من نصف الحيازات الزراعية باعتماد التمويل العيني من الشركات. والمشكلة الأكبر أنه لا غرف زراعية مستقلة تُعنى بمصالح المزارعين (عدا التجار) تساهم في تصريف جزء من الإنتاج عبر التصنيع. باختصار المنظومة كلها “عوجاء” وفي خدمة التجار أولاً”.
“فضحتهم الكورونا” قالها الحويّك وأكمل “منذ سنة 1997 استولت غرفة التجارة على كلمة زراعة في تسميتها واصبحت غرفة التجارة والصناعة و”الزراعة”، لم تبادر الغرف الى القبول بل رفضت انضمام المزارعين اليها بصفتهم الزراعية وفرضت عليهم التسجيل في السجل التجاري للانضمام الى الغرف بصفتهم التجارية ومنذ ذلك التاريخ لم تبادر هذه الغرف إلى العمل جدياً لاخذ دورها في تنمية المزارعين وحمايتهم، ففي سنة 2002 اقترحنا انشاء السجل الزراعي والغرف الزراعية المستقلة وتقدمنا باقتراح قانون نوقش في لجنة الزراعة النيابية واحبط من قبل غرف الزراعة والهيئات الاقتصادية وبعض الاحزاب كتيار المستقبل وحركة امل”.
وشدد الحويّك أن “الزراعة والتجارة “دونت ميكس”!! بين التجارة والزراعة مصالح متضاربة فكيف يُجمعان؟ والدليل على صحة كلامنا هو مواقف غرف التجارة والهيئات الاقتصادية بالنسبة للقطاع الزراعي عبر السنوات الماضية والتي تمثلت أولاً بفرض الغاء الرسوم الجمركية على المنتجات الزراعية المستوردة بدل دعم الزراعة الوطنية لا سيما بموضوع الانضمام الى اتفاقية التيسير العربية. ثانياً، وجدنا مصلحة التجار تعلو على مصلحة المزارع في منع تقديم طلب فترة سماح من اتفاقية التيسير العربية بحسب قرار الحكومة اللبنانية إذ أن وزير الاقتصاد السابق عدنان القصار لم يرسل الطلب الى جامعة الدول العربية آنذاك. ثالثاً، منع انشاء المصرف الوطني للانماء الزراعي على الرغم من تأمين تمويله وادارته من قبل الاتحاد الاوروبي لا بل عرضوا اعطاء المزارعين قروضاً من فرنسبنك. أما رابعاً، فنرى مصلحة التجار الطاغية في منع انشاء السجل الزراعي والغرف الزراعية المستقلة، إلى أن بقي القطاع الزراعي يتخبط بمشاكله من دون إيجاد أي حل ولا سيما لجهة تطوير الزراعة وفحص المنتجات الزراعية لايصال المنتجات النظيفة الى اللبنانيين، ذلك لعدم وجود سجل زراعي يمنع تتبع المنتجات للوصول الى المنتج ومراقبة الانتاج. وأخيراً، احباط كافة مقررات المنتدى الاقتصادي والاجتماعي للاتحاد الاوروبي الذي انعقد سنة 2009بالنسبة للقطاع الزراعي والتي وقعت عليها كافة الاحزاب المشاركة في السلطة”.
من جهته، ناشد رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس ولبنان الشمالي توفيق دبوسي وزارة الاقتصاد عبر “نداء الوطن” لجهة العمل على حماية المستهلك، وأعلن أنه سيتواصل مع قيادة الجيش لضبط الحدود فقد شكا العديد من المزارعين من عدم توقف دخول البضائع من الحدود.
وأضاف “نحن مؤمنون أن مياهنا وزراعتنا اهم من البترول، ولا صراع بيننا وبين المزارع بل تكامل وتعامل، وملفاتنا تبحث بتعاون بين المزارع والتاجر على أعلى المستويات. أما بالنسبة لأزمة الأسعار الحالية، فقد تواصلنا مع نقيب سوق الخضار والفاكهة في طرابلس عزام شعبو وشددنا على توحيد سعر السوق وانخفاضه ونحن في مجال التعاون على تعقيم سوق الخضار بشكل يومي بدءاً من الأسبوع المقبل”. هذا وقد عزا ارتفاع اسعار الخضار والفواكه إلى أزمة الدولار أولاً، وصرّح أنه على استعداد لجمع 184 تاجراً في طرابلس، المسجلين في الغرفة، لطرح حلول فورية تحد من تفاوت الأسعار في السوق، علماً أن المساحات المزروعة تقلصت بشكل كبير هذه السنة، وجاء ارتفاع أسعار المنتجات اللبنانية مثل الخيار والكوسى والباذنجان والبندورة عن السنين الماضية، نتيجة لضعف انتاج هذه الأصناف هذا العام حيث تزامن موعد زراعتها مع ارتفاع سعر الدولار في السوق وتوقف المصارف عن قبول التحويلات إلى الخارج وبالتالي انعدمت قدرة الشركات على تسليف المزارع مستلزماته الزراعية. وختم “سنحاول قدر الإمكان ضبط الموضوع وعلى الرغم من أنه لا سلطة لغرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس ولبنان الشمالي على التجار عملياً الا أننا جاهزون لاحتضان الجميع والعمل معاً لمصلحة المزارع أولاً”.