كتب محمد دهشة في صحيفة “نداء الوطن”:
يجرّ الصيداوي أحمد بيضاوي، عربة “الخضار الجوالة” فجر كل يوم، ساعياً وراء قوت يومه، في زمن “كورونا”، الذي فرض الحجر المنزلي على المواطنين وأوقف عمل “المياومين”، الذين يعانون من الفقر المدقع اصلاً، وقعوا بين خيارين أحلاهما مر، مواصلة العمل مع الاجراءات الوقائية التي تستنزف منهم المزيد من المصاريف، أو الركون في المنازل والاضطرار الى مد اليد أو ذل السؤال.
بيضاوي، الذي يجول في بعض أحياء المدينة، قبل ان يستقر قرب “جامع الروضة” في حي “الست نفيسة” الشعبي، وبات لديه بعض الزبائن يقصدونه، هو رب عائلة لخمسة أفراد، ما زال يقطن في منزل بالايجار، يئن نهاية كل شهر بكيفية تأمينه، ويكافح بجهد في مسيرة الحياة، همه الأول والأخير كفاف العيش، يقول لـ نداء الوطن”: “أعمل كل يوم من “الفجر الى النجر”، بلا كلل او عطلة، أقصد حسبة صيدا لشراء الفواكه والخضار، ثم أجول على بعض الاحياء في طريقي، الى ان أستقر في حي “الست نفيسة” لبيعها، وقبل ان يضيف “في زمن كورونا” تبدلت احوال الناس، وباتت تشتري الضروري فقط، وبكميات أقل، الذي اعتاد على شراء اربعة كيلو مثلاً، أصبح يشتري اثنين كيلو للتوفير وهكذا دواليك. لقد ارتفعت الاسعار من التجار وباتت كالنار، ولم يعد هناك سقف يحددها كالبورصة بين العرض والطلب”.
ويحرص بيضاوي على اتخاذ اجراءات الوقاية خلال عملية البيع، يرتدي “الكفوف” و”الكمامات” بشكل دائم ويعقم البضائع من أجل جذب الزبائن، لكنه يؤكد “رغم ذلك، تراجعت حركة البيع بسبب “كورونا” والضائقة الاقتصادية والمالية التي يعاني منها الناس، ناهيك عن تقليص ساعات العمل التزاماً بالحجر المنزلي وحظر التجول منذ المساء”، خاتماً: “الحمد لله على كل شيء، فترة صعبة وستمر، وما زلنا نعمل في اضعف الاحوال، بينما غيرنا اضطر لملازمة بيته من دون عمل”.شكوى وغلاء
على امتداد الطريق بين مستديرتي “العربي – سراي صيدا الحكومي” والاميركان، تنتشر عشرات بسطات الخضار والفواكه، قبل أيام قامت القوى الامنية بمنعهم من العمل، غير ان اتصالات سياسية عادت وسمحت لهم بالبيع ضمن شروط الوقاية لمنع تفشي “كورونا”، هؤلاء يعتمدون على البيع اليومي كمصدر رئيسي لعيشهم، اذ يجذبون الزبائن وهم في طريق عودتهم الى منازلهم ورغم ذلك قلّ البيع، ويقول المواطن حسن حبلي من “الفيلات”، ان الغلاء طال بعض الاصناف التي تحتوي على “فيتامينات” تساعد الجسم على التخلص من “الأنفلونزا”، مثل الحمضيات التي سجلت طلباً متزايداً عليها إذ يعتقد كثيرون ان الاكثار من تناولها يخفف من احتمالات الاصابة بكورونا، حتى وصل الامر الى الثوم والبصل والزنجبيل، وهذه ليست من الضروريات الآن يمكن الاستغناء عنها”.
صدى الغلاء، يصدح بوضوح تذمراً داخل بعض المراكز التجارية المرموقة “السوبرماكت”، حيث يتخطى هامش الربح الطبيعي الى زيادة تصل في بعض الأصناف الى ألفين او ثلاثة آلاف ليرة، وقد شكا فاروق ابو ربيع من الاحتيال غير المباشر، إذ تسجل على البضاعة اسعار، وعند قسم المحاسبة تتفاجأ بأسعار اخرى اكثر ارتفاعاً”، وقد عزا السبب الى “غياب الرقابة الجدية”، مطالباً وزارة الاقتصاد وضع حد لهذه الفوضى في اسعار السلع الاستهلاكية، التي تتضاعف فاتورتها مع كل أزمة، مستنزفة ما تبقى لدى المواطن من قدرة على الصمود وتأمين الحد الأدنى من مقومات المعيشة.
مبادرة “ربطة خبز”
مقابل الشكوى والغلاء، حوّل الناشط في “حراك صيدا” علاء عنتر معركته الاحتجاجية الى مبادرة فردية يومية، إذ يقوم بعيداً من الاضواء بتأمين مئات ربطات الخبر للمحتاجين في المناطق الاكثر فقراً، في “صيدا القديمة”، “الفيلات” و”التعمير” وسواها، رافعاً الشعار نفسه الذي خاض من أجله نشاطات الحراك الاحتجاجي، ويقول عنتر: “منذ أزمة كورونا قرر حراك صيدا وقف حراكه موقتاً، والانخراط في معركة مواجهة كورونا، فتوزع الناشطون على مبادرات كثيرة فردية وجماعية، ولكنني أحببت ان اقوم بشيء مميز، تأمين “ربطة خبز” بمبادرة فردية، فالناس اليوم اكثر حاجة الى لقمة العيش كي تستمر على قيد الحياة”، مضيفاً: “أتعاون مع رفيقي، ونقوم بالاتصال بأصدقائنا للمساهمة بالتبرع، وشراء ربطات الخبز، وزعنا في أقل يوم 300 ربطة وفي اكثره 500 ربطة”، وتابع: “سأبقى الى جانب الناس وبخاصة التي تشبهني في وقت الحاجة، كما كنت صوتهم الاعتراضي في زمن الثورة، متمرداً ضد السلطة والفساد”.
ميدانياً، واصلت بلدية صيدا الاحصاء الكتروني تمهيداً لتوزيع القسائم والمساعدات للعائلات المتضررة من تداعيات “كورونا”، وأعلن رئيسها محمد السعودي أن “البلدية ستسعى مع ديوان المحاسبة لزيادة المساعدات بمليار ليرة لبنانية ثانية أو أكثر، بعدما أظهرت الإحصاءات الأولية للإستمارات أنها فاقت 40 ألف إستمارة”، معتبراً ان “هذه الأرقام تعكس حجم المعاناة جراء ما يعيشه أهلنا من أزمة معيشية خانقة زاد من حدتها الإقفال العام في المؤسسات والمرافق، وفقدان المواطنين لأعمالهم وانقطاع رزقهم جراء التزامهم لمنازلهم، ما يستدعي منا الوقوف إلى جانب أهلنا وهو واجب علينا تجاههم”.