كتبت إيفون أنور صعيبي في “نداء الوطن”:
منذ نحو أسبوع وخبر الفيول غير المطابق للمواصفات يتّخذ منحىً تصاعديّاً فضائحياً وإداريّاً وسياسياً. بغض النظر عن الخزعبلات والمناكفات السياسية، نحن اليوم أمام أزمة متشعّبة تتطلّب حلولاً متعدّدة الأوجه: تبدأ بضرورة تحصين السيادة الوطنية من خلال عقودها التجارية مع دول أخرى من أي انتهاك. وتمرّ باستكمال التحقيقات لفهم حقيقة ما حصل في هذه الشحنة أو غيرها، ومحاسبة المرتكبين. والأهم، تضع حدّاً للفلتان الإداري الذي تنتهجه منشآت النفط في طرابلس والزهراني. لتحقيق ذلك، لا مفرّ من إبعاد هذا الملف عن التجاذبات المحاصصية لتجنّب تحميل المواطن تبعات قطع تغذية التيار الكهربائي ومضاعفة فاتورة مولدات المافيات.
قيل الكثير عن هذا الملف من مختلف زواياه لكن من دون التطرق الى خلفياته إدارياً وحتى سياسياً. أما قضائياً، فقد استدعى المدعي العام المالي القاضي علي ابراهيم أمس كلاً من المدير العام للنفط في وزارة الطاقة أورور فغالي، ورئيس لجنة ادارة منشآت النفط في طرابلس والزهراني سركيس حليس. في هذا الاطار لا بد من الاشارة الى أنها ليست المرة الاولى التي يتمّ فيها استدعاء فغالي، فقد سبق للقاضي ابراهيم واستمع الى أقوالها في ملفّ عمل المنشآت لكن من دون اتخاذ اي اجراء بحق حليس، وحتى من دون الاستماع اليه او فتح تحقيق بكيفيّة عمل لجنته. وبحسب مصدر مطّلع، فإن جلستي الاستماع أمس خلتا من أي جديد لتقتصر المعلومات على المتداول به في الوسائل الاعلامية.
تقنيّاً، تمرّ كلّ الشحنات التي تدخل لبنان عبر منشآت النفط في طرابلس والزهراني… ومختبراتها التي تفحص عيّنات الشحنات المستوردة للقطاعين العام والخاص أكانت فيول أويل أو بنزين أو مازوت. لكن وفي ظلّ حالة الهجر لا بل الطلاق بين المنشآت والمديرية العامة للنفط، تعمل الاولى على هواها وبذلك لا تحترم الجهاز الاداري الرسمي الوصي عليها وعلى أعمالها. وفي هذه الحالة من يضمن عدم حصول عمليات تبديل للفيول في السفن القابعة في أعماق البحر ومن دون علم “سوناطراك”؟ هنا لا بدّ من استذكار الحادث الذي وقع منذ ما يناهز الـ4 أعوام وعندما تلقى لبنان شحنة مغشوشة تسببت بعطل في البواخر، قبل أن تعود وتُخصّص لمعملَي الذوق والجيّة الحراريين. وفي سياق متّصل علمت “نداء الوطن” أن رئيس لجنة منشآت النفط في طرابلس والزهراني سركيس حليس أوعز الى الموظفين في منشآت طرابلس التوقف عن الذهاب الى العمل من دون معرفة السبب الكامن وراء قرار مفاجئ كهذا وفي توقيت كهذا.
بالعودة الى قضية الفيول المغشوش، لم يعد لهذه الواقعة أي قيمة بعدما تبيّن أن الحادثة منفردة، (من الجانب الجزائري). فبحسب المعلومات “إنّ الفيول المستورد في الشحنة الاولى خليط من عدة مصادر للفيول أويل. اما الشحنة الثانية فهي، ووفقاً لنتائج التحاليل، مطابقة تماماً للمواصفات اللبنانية. وقد عرضت الشركة الجزائرية “سوناطراك” على الدولة اللبنانية الاحتفاظ بالشحنة الاولى من دون أي بدل مادي لاستخدامها لمعملي الذوق والجية الحراريين، اللذين بوسعهما حرق هذه النوعية من الفيول أويل على عكس البواخر التي تتطلب النوعية المنصوص عنها في المواصفات لانتاج الكهرباء. وكبادرة حسن نيّة، عرضت “سوناطراك” على الدولة اللبنانية افراغ الشحنة الثانية لتأمين التغذية اللازمة لإنتاج الكهرباء. كان من المفترض افراغ الحمولة منذ يومين الا ان مؤسسة كهرباء لبنان لا تزال تبحث عن مكان للتخزين بما ان خزاناتها ملأى بالحمولة المضروبة. وعليه، إما تُعاد الشحنة الاولى الى “سوناطراك” او تجد كهرباء لبنان خزاناً يحوي الفيول المخصص لها”.
وبالحديث عن البواخر، لا بدّ من التساؤل من المستفيد من توقف باخرتَي “كارادينيز” عن انتاج الطاقة بعد عجز الحكومة عن دفع مستحقاتها بالدولار، مع الاشارة أن العقد المبرم بالليرة اللبنانية، ما يعني أن الشركة التركية ما عادت متحمّسة للعمل في السوق اللبنانية، وتكبد مصاريف تشغيلية من دون استيفاء المردود الذي اعتادت على تكديسه.
من المستبعد أن تخاطر شركة بحجم سوناطراك بسمعتها دولياً من أجل شحنة واحدة ولا حتى 20 شحنة. ولذلك، هي تقوم بالتحقيقات اللازمة لاستبيان واقع ما حصل بجدية تتخطى رصانة الدولة اللبنانية بأشواط، حرصاً على مصداقيتها وخوفاً على شفافيتها وصوناً لاسمها، تماماً على عكس الجانب اللبناني المنعدم المصداقية والغارق في ملفات الفساد.
وفي ظلّ هذه االوقيعة، بات القضاء المعني مطالباً أكثر من أي وقت مضى بوضع حد لحالة التشرذم في تحمل المسؤوليات بين الادارة العامة والمنشآت وكهرباء لبنان. أما الاهم، فيبقى سحب ملفات تطاول حياة اللبنانيين اليومية كالكهرباء عن طاولة النكايات السياسية، وعدم استخدامها كوسيلة الهاء أو “ربما” انتقام لتمرير التعيينات القضائية والمالية على غفلة.