كتبت راجانا حمية في “الاخبار”:
أمس، أطلقت وزارة الزراعة اللائحة الأولى للأسعار التوجيهية للمنتجات النباتية في أسواق الجملة، وافتتحت الصفحة الرسمية على موقعها الإلكتروني، والتي يفترض أن تحمل جداول أسبوعية بأسعار هذه المنتجات، ولاحقاً بأسعار المنتجات الحيوانية. تضمّنت اللائحة الأولى 43 منتجاً أساسياً في الاستهلاك اليومي (24 صنفاً من الخُضَر و19 من الفاكهة)، محدّدة إياها ما بين معدّلي سعر، أدنى وأقصى، على أن تتغيّر اللائحة صباح كل أربعاء، تبعاً لتغيّر الأسعار في السوق وتقلبات العرض والطلب.
على بعد أيام من التقرير الذي نشرته جمعية حماية المستهلك وأبرزت فيه التفلت في الأسعار، أتت اللائحة التي أطلقتها «الزراعة»، والتي اعتبرها الوزير عباس مرتضى، في مؤتمره الصحافي أمس، خطوة ضمن خطة الطوارئ للأمن الغذائي، وبعدما كثرت شكاوى المواطنين «من احتكار من يعملون على تحقيق الأرباح الفاحشة في ظل هذه الظروف».
إلا أن صدور اللائحة لم يكن مرحّباً به، لا من «الفئة المستضعفة» ولا من التجار (بالمفرّق والجملة). المستهلكون وجدوا أنفسهم خاسرين. وهم حسبوا خسارتهم «بالمفرّق» سنداً لأسعار الجملة التي وضعتها الوزارة. إذ إن الأسعار لا تزال مرتفعة، وإذا ما أضيف إليها هامش الـ 20 والـ 30%، ستصبح بعض الأصناف خارج متناولهم. ويلفتون إلى أصناف يفوق سعر الكيلو منها بالجملة الـ 3 آلاف، وصولاً الى الـ 6 آلاف، مثل اللوبياء والبازلاء والثوم والفاصولياء وغيرها. فكيف الحال عندما تضاف إليها نسبة قد لا تتوقف عند الـ 30% التي قالت عنها الزراعة؟
في الطرف الآخر من المعادلة، لم تجد فئة تجار الخضر والفاكهة في «لائحة الوزير» ما يمكن التعويل عليه، فجلّها أسعار «غير صحيحة» أو «غير موجودة على أرض الواقع». وهم تساءلوا عن المعايير التي اتّبعها، داعين إياه إلى النزول معهم إلى السوق ورؤية «الأسعار الحقيقية». رئيس نقابة الخضر بالجملة، محمد القيسي، شكا من «تغييبنا، ففي هذه المسألة تُسأل النقابة لتعطي رأيها على الأقل». أما بالنسبة إلى تجار المفرّق، فالوضع «أعوص». رئيس نقابة تجار الخضر والفاكهة بالمفرق، سهيل المعبي، استغرب «فرض الأسعار من فوق… إذا اليوم رحت لإشتري من سوق الجملة وطلبت أن أشتري وفق لائحة الوزارة، رح يقولولي روح اشتري من عند الوزير»! أضف إلى ذلك، إن الوزير «اكتفى بسعر الجملة، ومن غير المنطقي أساساً تركنا في مواجهة مع الناس».
يتفق تجار الجملة والمفرق على أن اللائحة «فرضت أسعاراً من دون استشارة أصحاب العلاقة، ولم تأخذ في الاعتبار الفوارق في الأصناف وجملة من الأكلاف، من النقل إلى العمال وغيرهما»، على ما يقول المعبي.
تردّ وزارة الزراعة على الاعتراضات بأن اللائحة هي «عصارة شغل» من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب قامت بها لجان الوزارة. كما أن «الأسعار راعت الجميع، أما من امتعض منها فهذا شأنه»، لافتة الى أنها ستعمل على التنسيق مع النقابات في مرحلة لاحقة «وهي ليست بصدد تهميش دورها». مع ذلك، الدعوة الآن هي للالتزام باللائحة، «لأنه سيكون في مواجهة التاجر الذي يعمل على استغلال المواطن ورفع الأسعار محاضر ضبط»، على ما قال مرتضى.
مع ذلك، ثمة من يربط الالتزام بالحوار مع أطراف السوق. وهو ما تراه جمعية حماية المستهلك التي لمست بعض الثغرات في اللائحة. فهي «وإن كانت مقبولة بعض الشيء، إلا أنها لم تتناسب مع الواقع الذي يعاني جملة مشاكل، ليس تحديد لائحة بالأسعار أهمها»، بحسب رئيس الجمعية زهير برو. إذ كان الأجدى بالوزارة أن تبدأ إجراءاتها خطوة خطوة. فـ«الأولى اليوم دعم المزارعين وضبط جشع التجار الذين يعملون على تصدير المنتجات في عزّ الأزمة من خلال اتخاذ إجراءات صارمة في ما يخصّ التصدير». وهذا الأمر كان سبباً في ارتفاع أسعار الخضر والفاكهة تحديداً. فالتجار «كانوا يصدّرون لتحصيل الـ FRESH MONEY، فيما يدفع الكلفة المستهلكون». البدء بتحديد الأسعار، أو تجميدها، من دون سياسة دعم للقطاع الزراعي هو «أشبه بطواحين الهواء وحركة في فراغ، ولن يستقيم شيء ما لم يكن الدعم هو المدخل الأول، وإلا رح تبيّن هذه الخطوة أقرب إلى التعدّي».
«هجمة» التجار على لائحة الأسعار تذكّر برّو بـ«قصة رغيف الخبز»، إذ لم تتوصل المفاوضات حتى الآن الى إقناع أصحاب الأفران بألّا يكون الربح على حساب لقمة الناس. و«لقمة الفقير»، بحسب برو، تحتاج إلى إجراءات من «فوق»، من خلال برامج دعم جدية للزراعة، وتقديم تسليفات للقطاع وإنشاء صندوق فوري لهذا الأمر، كما حصل في الصناعة، للنهوض بالقطاع». وهذا الأمر سيكون بداية لمحاربة التجار والمتحكّمين بلقمة عيش الفقراء. من دون هذه الحلول، فهذه اللائحة لا قيمة لها.