كتب عامر جلول في “اللواء”:
مَنْ لا يقرأ التاريخ، لا يفقه الواقع، ولا يتنبّأ المستقبل. إذا طبقّنا هذه المقولة والعبارة نستطيع أن نفهم الواقع السياسي والأحداث التي تعصف بنا، في 17 تشرين بدأت ثورة في لبنان بعد إقرار ضريبة الواتس آب. طبعاً تلك الضريبة لم تكن إلا الشعرة التي قصمت ظهر البعير، بعد تراكمات طويلة من الإخفاقات والفساد الإداري والمالي، أدى إلى انفجار اجتماعي كانت بدايته مشهد لم يشهده لبنان في تاريخه السياسي، حيث إنّ مشهد الطائفية أصبح غير موجود نسبياً، وأدّى ذاك الحدث إلى إسقاط حكومة العهد، التي كانت عبارة عن مجلس يجمع كل أحزاب السلطة الممثّلة في مجلس النواب. ولكن هذه الثورة لم تكن ثورة بكل المناطق. في بيروت كانت انتفاضة، لكن في الشمال وبعض مناطق الجنوب كانت ثورة، أما في البقاع فكادت تكون حراكاً.
في الحقيقة، إنّ تاريخ لبنان مليء بالثورات، التي لم تنته بالشكل الذي تمنّاه أصحاب الثورات، ففي سنة 1858 قامت ثورة الفلاحين بقيادة طانيوس شاهين ضد الاقطاعيين، ولم تحقق مطالبها، وفشلت بسبب التدخلات الخارجية، وتكوينة الجبل طائفيا.
وبعد مرور 100 عام اندلعت ثورة ضد المارونية السياسية، وفشلت حيث كان العالم آنذاك منقسماً يُعدُّ للحرب العالمية الثانية بين معسكرين «شيوعي ورأسمالي» أرخى ظلاله على لبنان وأفشل الثورة، ثم ثورة 1997 و2005 و2015 حتى 2019 التي كانت الأقوى والأعنف، لكنها تراجعت حتى وصلت إلى حراك وبالكاد حراك، ولكن لماذا؟
كل ثورات العالم تسبقها ثورات فكرية، وهذا ما لم يحصل في لبنان.
لبنان بلد طائفي قائم على مجتمعات داخل منطقة جغرافية صغيرة.
إنّ الجغرافيا السياسية المحيطة بلبنان منطقة مشتعلة وساقطة سياسيا والمنطقة العربية عموما تسبح في أزمات حيث أصبح لا رؤية واضحة أبداً.
هناك فريق سياسي يملك قوّة مفرطة وسلاحاً، ومدعوم إقليميا لا يقبل بنجاح هذه الثورة.
عدم وجود قيادة موحّدة ورؤية موحّدة.
اليوم علينا الاستفادة من زخم الناس وإرادتهم الصلبة ونشاطهم الثوري، لكن الطاقة التي لا توظّف في المكان المناسب تكون طاقة مهدورة، واليوم التغيير يكون خلال الدخول إلى السلطة، ومن خلال صناديق الاقتراع، ففي 1924 قام الديكتاتور هتلر بمحاولة انقلاب فاشلة، أدخلته إلى السجن حيث كتب كتابه الشهير «كفاحي»، فقال: «إن الديمقراطية هي الآلية الوحيدة للوصول إلى السلطة، والسلطة ليست الغاية إنما الوسيلة للوصول إلى غاية التغيير».
علينا أنْ نضع رؤية 2022، حيث الاستحقاق الأكبر على مستوى البلدي والمخاتير والنيابي والحكومة ورئاسة الجمهورية ومجلس النواب، فالثورة الحقيقية تكون باختراق السلطة وليس من خارجها.